للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورأى القائد المسلم الداهية المحنك في أعين المصريين حيرة وعجباً فقال: "إني قد علمت أنكم رأيتم في أنفسكم أنكم شيء حين رأيتم اقتصاد العرب وهون تزجيتهم فخشيت أن تهلكوا، فأحببت أن أَريكم حالهم، وكيف كانت في أرضهم، ثم حالهم في أرضكم، ثم حالهم في الحرب، فظفروا بكم وذلك عيشهم، وقد كلبوا على بلادكم قبل أن ينالوا منها مارأَيتم ما رأيتم في اليوم الثاني، فأحببت أن تعلموا أن من رأيتم في اليوم الثالث غير تارك عيش اليوم الثاني. وراجع إلى عيش اليوم الأول".

وبهذا الدرس العملي رأى المصريون العرب على حقيقتهم، فهم ليسوا العرب السذج الذين كانوا يعيشون على فتات الموائد قبل الإسلام، بل أصبحوا شيئا آخر حيث صاغهم الإسلام صياغة جديدة ففهموا الحياة على الشكل الذي ينبغي أن تفهم عليه، وعرفوا مكانتهم في العالم، فهم الأساتذة الموجهون، والساسة المدبرون، والقواد الفاتحون.

لقد أعزهم الله بالإسلام فلن يذلوا وهم متمسكون به أبدا، وسودهم على الأمم فكانوا خيرها بالعمل لنشر الدعوة، أدرك المسلمون هذه الحقائق وليسوا مستعدين لتركها والانتكاسة إلى الوراء مرة أخرى.

وضرب عمرو مثلا من الحياة التي يلمسها المصريون فكأنه يقول لهم: إن الذين تذوقوا طيب الحياة في مصر، وعاشوا أرغد العيش فيها، ليسوا مستعدين للعودة إلى حياة البداوة والتقشف بعد أن لمسوا الفرق بين الحياتين.

عندئذ نظر المصريون بعضهم إلى بعض وقالوا في دهشة وعجب: لقد رمتكم العرب برجلهم [٣] .

وبلغ أمير المؤمنين - عمر – ما صنع عمرو مع قبط مصر، فقال لجلسائه: "والله أن حربه للينة ما لها سطوة ولا ثورة كثورات الحروب من غيره، إن عمرا لعضن" [٤] .

وجاء رد الخليفة على عمرو يأمره بالزحف على الإسكندرية، فاستعد عمرو واستخلف على مصر خارجة بن حذافة بن غانم.