وعلم الروم القاطنون بين مصر والإسكندرية بتهيؤ المسلمين للزحف نحو الإسكندرية فأتمروا فيما بينهم، وعزموا على صد عمرو وجيشه عن وجهته وقدمت عليهم مراكب كثيرة من بلاد الروم تحمل الجنود والسلاح فقويت بذلك شوكتهم، وعظم أمرهم، وصاروا في منعة من قومهم.
وخرج عمرو بن العاص من الفسطاط متوجها إلى الإسكندرية، واستعان بجماعة من رؤساء القبط في إصلاح الطرق، وإقامة الجسور والأسواق ليسهل على المسلمين السير في هذا الطريق.
واختار ابن العاص الضفة الغربية للنيل، فعبر إليها وهي أهون في السير لقلة العوائق حيث تكثر في الدلتا فروع النيل الكثيرة التي تحول بين الجيش وبين غايته وتعوق مسيرته إلى الإسكندرية.
وعلم عمرو بأن الطريق إلى الإسكندرية ليس سهلا فحصون الروم منتشرة على طول الطريق، وجيوشهم مبثوثة في كل مكان، في نقيوس وسلطيس، وفي كريون.
وكان حصن نقيوس من أمنع حصونهم وأشدها رجالا، ورأى عمرو أنه إن تمكن من التغلب على نقيوس فسيفت ذلك في عضد الروم ويفل حدهم، ونقيوس تقع على الضفة الشرقية لفرع رشيد بالقرب من منوف، وبلغ الروم أن المسلمين يقصدون نقيوس فعزموا على ملاقاتهم قبل أن يعبروا إليها، وتصدى جنود الروم لجيش المسلمين عند (طرنوط) ودارت هناك معركة استبسل فيها الروم، ولكنه سرعان ما انهزموا وولوا مدبرين [٥] .
معركة نقيوس.
وفكر عمرو في أمره كثيرا، ماذا يفعل؟ هل يترك نقيوس بحاميتها القوية وحصنها المنيع ويستمر في سيره نحو الإسكندرية؟ ولكن ما يمنع الروم إن هو فعل ذلك أن ينقضوا على مؤخرة جيشه ويعكروا عليه صفوه، ويفسدوا خطته؟
وبعد هذا التفكير عزم على أن يعبر النهر، ويهاجم الحصن ومن فيه، وفي الوقت نفسه عزم الروم على المقاومة والدفاع عن نقيوس فخرج قائد الروم (دومنتيانوس) بجنوده وركبوا السفن المعدة للدفاع عن المدينة استعدادا لملاقاة المسلمين.