كان المسلمون يعتقدون أن الروم لن يخرجوا إليهم، وسيدافعون عن نقيوس من داخل حصنها، ولكنهم فوجئوا بجموع الروم في السفن، فكانت الفرصة التي ينتظرها عمرو دائما، فأمر جنوده أن ينضحوهم بالنبل حتى ألجئوهم إلى ركوب السفن بعد أن تركوها ليواجهوا المسلمين، وظل المسلمون يرمونهم حتى اضطربت صفوفهم، ووهنت عزائمهم وظنوا أن المسلمين سيقتحمون عليهم، فسلموا أنفسهم، وفر القائد بسفينته إلى الإسكندرية لعله يجد فيها ما يمنعه من عدوه، واستولى المسلمون على نقيوس [٦] .
وبعث عمرو شريك بن سمى مقدمة لجيشه ليتعقب الفارين، فالتقوا به، واشتبكوا معه، وألجئوه إلى مكان مرتفع من الأرض، فاعتصم به شريكا وأحاطت به الروم من كل جانب، فلما رأى شريك إحاطة الروم به أمر أبا ناعمة مالك بن ناعمة الصدفي - وكان له فرس يقال له أشقر صدف، وكان لا يجاري سرعة - أن يقتحم صفوف الروم وأن يذهب إلى عمرو فيخبره بموقف المسلمين وإحاطة العدو بهم.
وركب أبو ناعمة فرسه الأشقر، وأنحط على الروم كالسيل الجارف، وحاولوا صده فلم يستطيعوا، وأخبر مالك بن ناعمة عمرا، فأسرع لنجدة شريك، ولما سمع الروم بقدوم عمرو ولوا مدبرين [٧] .وسمي المكان الذي اعتصم به شريك بعد ذلك باسمه وقيل له: كوم شريك، وهو الآن قرية من قرى مركز حماده.
وأنقذ عمرو شريكا وسار بقواته كلها نحو الإسكندرية، وفي الطريق علم بأن الروم قد أعدوا للقائه عند سلطيس، وسلطيس قرية كبيرة تقع في منتصف الطريق بين كوم شريك وبين كريون، وعلى بعد تسعة كيلو مترات من مدينة دمنهور عاصمة البحيرة، واتجه عمرو ليلقى عدوه عند سلطيس، وهناك دارت معركة عنيفة انتهت بهزيمة الروم، وفرارهم إلى كريون.
معركة كريون:
كريون مدينة قديمة، وصفها ابن حوقل بأنها مدينة عظيمة وجميلة، تقع على ضفتي ترعة الإسكندرية، وكان التجار يركبون منها القوارب إلى الفسطاط صيفا إذا أرتفع ماء النيل.