كانت مدينة كريون آخر حصن للروم من سلسلة الحصون التي كانت على طول الطريق بين بابليون والإسكندرية، وكان لها شأن عظيم في تجارة القمح، وخطر كبير في الحرب حيث كانت تشرف على الترعة التي تعتمد عليها الإسكندرية في جلب الطعام واستعمال مائها للشرب، ولكن حصونها لم تكن في منعة حصن بابليون أو نقيوس، وكان لكريون حاكم تحت إمرته قوة عسكرية من الفرسان والمشاة [٨] .
كانت هزيمة الروم في سلطيس نذيرا يهدد بسقوط الإسكندرية، وكان سقوط الإسكندرية معناه زوال ملك الروم ونهاية أمرهم، من أجل هذا استنفر تيودور قائد الروم الأعظم في مصر قواته، وانضم إليه الشاردون من سلطيس فكانوا قوة لا ترام، وقد اطمأن تيودور إلى نتيجة المعركة لما رأى من قوة حصن كريون، وكان الروم قد رمموه وأعادوا ما انهدم منه، كما كانت ترعة الثعبان المارة غربي الحصن تعتبر تحصينا طبيعيا للمدينة، وهناك ما يزيد من قوة كريون، ويجعلها قادرة على المواجهة والصمود ذلك أن الإمدادات تصل إليها بسهولة من الإسكندرية، وتدفقت قوات الروم من كل جهة لتعزز قوات القائد تيودور فأقبلوا من سخا ومن خيس وبلهيب لتزيد من بأس قوات الروم، وتمكنها من مواجهة الفاتحين [٩] .
التقى المسلمون والروم في كريون، ودارت المعركة قوية عنيفة بصورة لم تعرف في المعارك السابقة، واستمر القتال إلى الليل، ولم يعقد النصر لأحد الفريقين، ومع تنفس الصبح في اليوم التالي بدأت المعارك أشد منها بالأمس، وزاد في ضراوتها شعور الروم بانهيار دولتهم إذا هم انهزموا وخلص المسلمون إلى الإسكندرية، وزاد ثبات الروم من شعور المسلمين بوجوب مضاعفة همتهم وشد عزيمتهم، ولم تنته المعركة حتى جن الليل وحجز ظلامه بين المتقاتلين.