مطالب الجسم كثيرة قد تلجئ الإنسان في سبيل تحقيقها إلى أن يصطدم بغيره فينشأ الخلاف، ويتفاقم النزاع، ويضطر كل من المتخالفين إلى أن يحتمي في أسرته ويتقوى بمن ينتمي إليه.
وكثيرا ما يتطور الخلاف إلى شجار دموي تزهق فيه النفوس، وتطيح فيه الرؤوس وتكون الغلبة للأقوى، وهكذا يصبح العالم مسرحا للفتن، وتصبح الحياة جحيما لا تطاق. فلا بد من دين ينظم العلاقات، ويفصل الحقوق والواجبات، لا بد من دين توحي به هذه القوة الغيبية القدسية التي يؤمن الناس بها، ويشعرون بسلطانها، ويحسون بعظمتها ويجدون لها في نفوسهم هيبة وخشية فيذعنون لحكمها، ويسارعون إلى تنفيذ ما تقضي به.
كذلك للإنسان مطالب روحية تكمل إنسانيته، ويتميز بها عن بقية الحيوانات التي تكتفي بالماديات. والدين هو الذي يكفل حاجة الروح ويوفر لها مطالبها ويتعهدها بما تحتاجه وما يغذيها، ويمدها بما يصلحها وما يقويها، ويصل بينها وبين الخالق على أساس قوي متين، وهذا شيء خارج عن اختصاص الأخلاق والقوانين.
نعم. إن الدين هو الحصن الذي يحمي الإنسان من الفساد، ويحفظه من الرذيلة، ويربيه على الخلق القويم، ويهديه إلى الصراط المستقيم، الدين هو الذي يقاوم الشر، ويقضي على الميوعة، ويشيع الفضيلة ويقوي الروابط، ويصلح النفوس، ويعلي شأن الأمم.