وحسبك لتعلم هذا أن توازن بين رجلين أحدهما ملحد خارج على الأديان، فهو إن فارق الشر أو فارقه الشر فإنما يحاول النجاة بنفسه والتخلص من صرامة القانون، وفي الساعة التي تتيسر له فيها الجريمة في أمان من الناس يقدم عليها دون أن يردعه رادع أو يمنعه مانع والآخر متدين له بجانب ذلك الوازع وازع آخر يلازمه ولا يفارقه هو وازع الدين يزعه في سره وجهره، في بيته ومتجره في طريقه وممشاه، في كل مكان.
استمع معي إلى هذه الواقعة لتعرف ما للدين من بالغ الأثر وقوة التأثير.
قال أسلم: بينما أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس بالمدينة إذ عيي فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل وإذا امرأة تقول لابنتها: قومي إلى اللبن فامزجيه بالماء. قالت لها: يا أماه أو ما علمت بما كان من عزم أمير المؤمنين؟ قالت: وما كان من عزمه يا بنية؟ قالت: إنه أمر مناديه فنادى لا يشاب اللبن بالماء. فقالت لها: يا بنية قومي إلى اللبن فامزجيه بالماء فإنك بموضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر فقالت الصبية لأمها: يا أماه. ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء. وهل يغيب عنا رب عمر إذا غاب عنا عمر؟ وعمر يسمع هذا كله. فقال: يا أسلم علّم الباب واعرف الموضع ثم مضى في عسه فلما أصبح قال: يا أسلم. امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها وهل لها من بعل؟ قال أسلم: فأتيت الموضع فسألت فإذا الجارية أيم لا بعل لها وإذا تيك أمها ليس لها بعل فأتيت عمر فأخبرته فدعا عمر ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة فأزوجه لو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية فقال عبد الله: لي زوجة وقال عبد الرحمن: لي زوجة وقال عاصم: يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم فولدت له بنتا وولدت البنت عمر بن عبد العزيز رحمه الله.