للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه قصة صريحة تشهد بأن الدين يقضي على ما لا يقضي عليه القانون من الجرائم وتفيد أنه خير ضمان لسعادة البشرية وهناءة الإنسانية.

ما الذي حرم أمير المؤمنين عمر لذة النوم بالليل، وكلفه البحث عن أحوال الرعية في جنح الظلام حتى تعبت قدماه وكل بدنه. إنه الدين.

ما الذي منع الفتاة من ارتكاب جريمة الغش وعمر لا يراها؟ إنه الدين.

ما الذي أهل بائعة كاللبن لتكون زوجة لابن حاكم المسلمين؟ إنه الدين نعم.الدين.

فالدين ضروري لكي يحيا الإنسان حياة هانئة مطمئنة في مجتمع هادئ متماسك تغمره السعادة، وتسوده المحبة، وتتردد في جوانبه أصداء النعيم.

والقوانين وحدها لا يمكن أن تطهر المجتمعات مما تموج به من خبث وفساد وأنّى لها ذلك وهي لا سلطان لها إلا على ما يقع تحت قبضتها وما يحدث على مشهد من سدنتها.

وأكثر الجرائم تدبر بليل وتحاك في الظلام، وتقع في الخفاء، وتنفذ بمهارة في مكان لا تراه العيون. فلو ترك الأمر للقانون وحده لاحتال المجرمون على التخلص منه والتهرب من سلطانه والنجاة من أحكامه بالابتعاد عن أعين الرقباء، وإخفاء معالم الجريمة وطمس آثارها، والتزيي بزي الأبرياء ولو ترك الإنسان وشأنه دون دين لاستطاع الهوى أن يتحكم فيه ويسيطر عليه، ولأمكن لشهوته أن تتغلب على عقله وتسخره في خدمتها فيصبح تفكيره محصورا في دائرتها، يتفنن في سبيل إرضائها، وإشباع رغباتها، ولجاز أيضا أن يتمكن منه الغضب فيجمح به حتى يستبيح انتهاك الأعراض وسلب الحقوق وسفك الدماء واستعباد الضعفاء، وإذلال الفقراء.

لا سبيل لحماية الأخلاق، وصون الآداب وحفظ الحقوق، ووقف العدوان، ومنع التلاعب إلا بتربية النفوس على الدين وطبعها بطابعه، وصبغها بتعاليمه. فالدين له حوك في الصدور وأثر في القلوب دونه أثر القوانين.