وعدتك في رسالة سلفت أن أحدثك كيف تكون باحثا، وهاأنذا اليوم منجز ما كنت قد وعدتك، لقد عرفتك من هذه الفئة التي تجد في دراسة العلم لذة لا تنقضي، وتحس في قراءة الأدب متعة ما لها من نفاد، ولهذا أراني حريصا أن أكتب إليك هذه الرسالة، حفيا أن أسوق إليك هذا الحديث.
١ _ اختيار موضوع البحث
أول خطوة على دروب البحث _ يا تلميذي العزيز _ أن تختار موضوعك وعنوان بحثك. واختيار الموضوع من أصعب الأمور في كتابة البحوث وفي تأليف الرسائل. لأن لهذا الاختيار حقوقا كثيرة يجب أن ترعاها حق الرعاية، وأن تقوم لها خير القيام.
فمن حقه عليك أن يكون موضوع بحثك متصلا تمام الاتصال بميدان دراستك ومادة تخصصك، وأن يكون مما تتوق إليه نفسك ويهواه الفؤاد.
وينبغي أن يكون موضوع بحثك من اختيارك أنت لا من اختيار غيرك، وأن يكون ناشئا عن قراءاتك الكثيرة وإطلاعك الواسع. على أنه لا ضير في أن تتقبل موضوعا يعرضه عليك أستاذك إذا لاقى هوى نفسك، وكان واضح الرؤية أمام عينيك، تستطيع أنت أن ترى أبعاده بوضوح، وأن تضع خطوطه العريضة بدقة، وأن توفيه حقه من الدراسة والبحث.
ومن الخطأ أن تكتب في موضوع يفرض عليك فرضاً، لا تحس رغبة فيه، ولا ترى له صورة واضحة في ذهنك، حتى ولو كثرت مصادره ومراجعه، ورسم لك غيرك خطة العمل فيه.
ومن حق موضوعك أن يكون ذا سعة، ولكنها سعة ذات حدود يمكن الوقوف عندها وقد أخذ الموضوع حقه من البحث، وانتهى الباحث فيه إلى رأي.
أما إذا كان الموضوع ذا سعة لا يمكنك أن تلم بأطرافها، ولا تستطيع لها حصرا، ولا أن تصل فيه إلى غاية، فلا ينبغي لك أن تختاره، ولا ينبغي لك أن تكتب فيه.