في مطلع الثلاثينات من هذا القرن – الميلادي – ظهرت طلائع الطبعة الجديدة من كتاب (الأغاني) من مؤلفات الإِخباري الكبير أبي الفرج الأصفهاني، وقد واكبتها دعاية إعلامية مدوّية أثارت الرغبة في اقتنائها لدى كل ذي هواية أدبية، وكان ذلك طبيعيا لأن المؤسسة التي أشرفتْ على إصدارها في القاهرة أخيرا تضم أسماء أحرزت الثقة في علم التحقيق والنشر، فلها في نفوس القراء سحرٌ يقودها إلى التسليم بدقة عملها. وجاء المجلد الأول من تلك الطبعة مسوّغاً لذلك التقدير إذ كان غاية في حسن الإخراج ونفاسة الورق وجمال الحرف.
ولا ننسى مع ذلك أثر التيار الأدبي الذي كان في قمة انطلاقه من القاهرة أثناء صدور هذا المجلد، وقد فرض نفسه على الحركة الأدبية ليس فقط في القطر المصري بل على امتداد الوطن العربي كله، حيث كانت القاهرة تمثل مركز الإشعاع لكل الناطقين بالضاد والمتأثرين باليقظة الفكرية التي فجَّرتها مدرسة الإصلاح الإِسلامية بقيادة الأفغاني وتلاميذه، وتبعتها في الأدب واللغة مدرسة البارودي وطلائعها التي عمت آثارها كل الربوع العربية، حتى كان قراء ذلك الإنتاج الضخم من المؤلفات والمجلات المصرية يفوق عدد أمثاله من القراء في القطر المصري كله..
وتتابعت أجزاء الكتاب تلبيةً لحاجة مشتريه، وانسياقاً مع الدعاية المركزة له، التي تجاوزت قدرة القراء على تقييمه.. وكان للدكتور طه حسين وتلميذه الدمشقي شفيق جبري وآخرين من المروّجين للكتاب ايحآتهم النافذة في مشاعر الجيل المأخوذ بكتاباتهم عنه.