١- إن الله بالناس لرؤف رحيم، لم يخلقهم عبثا بل جعل لهم غاية، ولم يتركهم سدا بل هداهم السبيل وحدد معالمه.. كل ذلك بما شرع لهم من أحكام في دينه، وكانت أحكامه محققة لمصالحهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم.. وقد ثبت لدى العلماء من تتبع أحكام الشرع واستقرائها أنها تحقق مصالح خمسا وتحافظ عليها هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال وهي في تحقيقها لهذه المصالح تتدرج بين مراتب ثلاثة:
هي الضرورات: وهو لابد منها لإقامة هذه الخمسة وحفظها، والحاجيات وهي وإن لم تلزم لقيام الخمسة فإنها تلزم لرفع الضيق والحرج عند الأخذ بها، والتحسينات وهي ليست بلازمة لقيام هذه المصالح ولا لدفع الضيق والحرج عند الأخذ بها ولكنها استكمال لحسن الأمر وتحقيق لصالح الخلق [٢] .
وتقف كل مصلحة من المصالح الخمسة مكملة للتي تسبقها وخادمة لها، كذلك تقف كل مرتبة من المراتب الثلاثة مكملة للتي تسبقها وخادمة لها.
ففي المصلحة الأولى وهي الدين تقف في المرتبة الأولى الضرورات، وفي مقدمتها شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلابد من إقامتها لإقامة الدين، ولو أدى ذلك إلى التضحية بالمصلحة التي تليها وهي النفس، وذلك عن طريق الجهاد إعلاء لكلمة الله، وتمكينا لدينه..
ومن الحاجيات المكملة لإقامة الدين ما شرعه الله من تيسير في بعض أحكامه، رفعا للعنت والحرج [٣] ومنعا من الضيق والملل، كأداء الصلاة قعودا لمن كان ذا عذر، وقصرها للمسافر وما شرع الله من عقود وأحكام للمعاملات.
ومن التحسينات المكملة لإقامة الدين ما ينبغي أن يتحلى به المسلم من خلق العفو والصفح الجميل ودرء السيئة بالحسنة.