ووقوف المصلحة وراء كل حكم أنزله الله أمر يراه كل ذي بصيرة فإن خفيت فإيمان المسلم ويقينه بأن الله لا يريد به إلا اليسر، ولا يشرع له إلا الحق والخير.. كل ذلك كاف لأن ندرك ما قرره علماء الشريعة من أن وراء كل حكم شرعي مصلحة.
والقول بأن وراء كل مصلحة حكم شرعي [٤] ينبغي أن يتقيد بالشروط والقيود التي سنشير إليها، وإلا فليست كل مصلحة يتصورها إنسان يمكن أن يبنى عليها حكم شرعي.
٢- والمصلحة التي يورد الشارع حكما يحققها تسمى مصلحة معتبرة [٥] وتلك التي يأتي النص بعدم اعتبارها تسمى مصلحة ملغاة [٦] .
والتي لم يعتبرها الشارع ولم يلغها هي المصلحة المرسلة [٧]- وهي موضوع هذا البحث.
ثانيا: حجية المصلحة المرسلة:
٣- الوحي –قرآنا وسنة- ليس فقط هو المصدر الأول للأحكام، بل هو المصدر الوحيد للأحكام..
فكيف يتفق ذلك مع ما يعدده الأصوليون من مصادر تقارب العشرة أو تجازوها؟ ووظيفة الإجماع أنه يقوي من هذا الدليل.. والقياس تعرية للحكم الشرعي –الوارد في الكتاب أو السنة- إلى واقعة أخرى لم يرد فيها نص، لاتحاد العلة في الواقعتين.
أما المصلحة.. فهي –كما سيبين بإذن الله- لون من القياس على النصوص في مقاصدها ومعناها، وليس في عبارتها ومبناها، أو هي بعبارة أخرى. حكم بروح النصوص ومقاصدها وليس حكم بعبارتها وألفاظها.
٤- بيد أن الأمر ليس بهذه السهولة التي أشرنا إليها.. فإن دليلا من الأدلة لم يثر جدلا عنيفا ولا غموضا شديدا، ولا تطرفا ذات اليمين وذات اليسار.. كما أثارت المصلحة المرسلة..
فالبعض أفرط فقدمها على النصوص. والبعض فرط فرفضها رفضا مطلقا. وبين هذا الفرث والدم.. كان رأي الجمهور وسطا سائغا للفاقهين..
٥- وقبل أن نشير إلى هذه الثلاثة نقول إن المصلحة لا عمل لها في دائرة العقيدة لأنها مبنية على اليقين، والمصلحة لا تفيد إلا الظن، كذلك لا عمل لها في ميدان العبادات.