كتبت إلي أنك قد انتهيت من دراساتك العليا, وأنك على وشك أن تصبح زميلا جديدا في ميدان التعليم, هنيئا لك ذاك النجاح! ومرحبا بهذه الزمالة الجديدة!.
سألتني أن أمدك بشيء من النصح، وأن أزودك ببعض التجارب تجارب الآخرين قلما تفيد أيها الزميل الجديد، ومع ذلك فلن تراني عليك ضنينا غير أني أحب أن أقول شيئا قبل أن أمضي بعيد في هذه الرسالة, أحب أن أقول لك: ابحث عن عمل آخر إذا كنت لا تحب التعليم, ولا تجد فيه ري ظمأ، ولا قرة عين.
أنت مقبل على عمل شاق يرهق الجسم والعقل، يشغلك النهار وزلفا من الليل، فإذا لم تكن لديك رغبة صادقة فيه ظلمت نفسك، وظلمت كثيرا من طلاب العلم معك.
إن إخفاق كثير من الناس في أعمالهم والوظائف، مرده في كثير من الأحوال إلى أنهم لم ينالوها عن رغبة واقتدار، وإنما هي أشياء عثروا بها في ظلمات الليل، أو عثرت بهم وهم عنها غافلون.
سرني أيها الزميل الكريم ما نلته من نجاح وسرني أن تصبح من ذوي الشهادات العالية، ولعلك نشرت هذا في الصحف، وعلقت وثائقه على جدران غرفة الاستقبال، ليراه الزائرون، وليذيعوا به في المجالس.
ليس بالغريب أن يشعر الإنسان بالزهو حين يصبح شيئا مذكورا بعد أن لم يكن، غير أني لا أحب أن تزهو بهذا على عباد الله، وأن تقف أمام طلابك نفاشا تفتح به فاك، وتجحظ له عيناك، وتميل برأسك ذات اليمن تارة وذات اليسار تارة أخرى.
قد تجلب عليك الوظيفة أموالا ما كنت لتجدها أيام كنت طالبا، فتزين لك نفسك أن تظهر شخصيتك عن طريق البزة الأنيقة، والحذاء اللامع، والملابس الفارهة، وأن تخرج على الناس يوما بعد يوم في حلة جديدة، تميس فيها كأنك في ليلة الزفاف. إلا ما تزين لك نفسك! وبئست طريقة تلك الطريق!.