للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا نجد في هذه القصيدة ملامح فن أبي العتاهية في الزهد الممزوج بالحكمة والمرصع والاقتباسات البديعة من كتاب الله عز وجلو كلام السلف الصالح، وقد أبدى بن الأعرابي إعجابه البالغ بهذه القصيدة وقال: "ما رأيت قط شاعر أطبع ولا أقدر على البيت من أبي العتاهية وما أحسب مذهبه إلا ضربا من السحر"، وثار برجل كان في مجلسه لأنه قال: "إن أبا العتاهية ضعيف الشعر". فقال له: "الضعيف والله عقلك، لأبي العتاهية تقول ضعيف الشعر؟! " [٩] .

ونذكر أخيرا في سبب توبة أبي العتاهية من مصاحبة المجان وقرض الشعر في الغزل والهجاء والمديح، وقصر شعره على الزهد والحكمة، ما روي عن أبي سلمة الغنوي أنه سأل أبا العتاهية: "ما الذي صرفك عن قول الغزل إلى قول الزهد؟ ". فأجابه:"إذن والله أخبرك. إني لما قلت:

أهدت لي الصد والملالات

الله بيني وبين مولاتي

فكان هجرانها مكافاتي

منحتها مهجتي وخالصتي

أحدوثة في جميع جاراتي

هيَّمني حبها وصيرني

رأيت في المنام في تلك الليلة كأن آتيا أتاني فقال: "ما أصبت أحدا تدخله بينك وبين عتبة يحكم علينا بالمعصية إلا الله تعالى؟ ". فانتبهت مذعورا وتبت إلى الله تعالى من ساعتي من قول الغزل" [١٠] .


[١] الأغاني ٤/٤
[٢] ثمار القلوب للثعالبي ٤٠٧
[٣] تاريخ بغداد ١٤/١٠٤
[٤] الأغاني ١٤/٥٣.
[٥] تاريخ بغداد ٦/٢٥٦.
[٦] مروج الذهب ٣/٢٤٠
[٧] الأغاني ٤/٤٢
[٨] مروج الذهب٣/٢٧٤
[٩] ابن عبد البر في المقدمة.
[١٠] تاريخ بغداد ٦/٢٥٨.