وقَدْ عَلِمْنَا علماً لا يُخالِطه شَكٌّ أن عامَّة قط لم تَصلُحْ من قِبَل أنفُسها، وأنها لم يَأتها الصَّلاحُ إلا من قبل إمامها؛ وذلك لأن عَدَدَ الناس من ضَعفتِهم وجُهّالهم الَّذِين لا يَستغنون برأي أنفُسهم، ولا يحملِون العِلْمَ، ولا يتقدمُون في الأمور. فإذا جَعَل الله فيهم خواص من أهل الدين والعُقُول، ينظُرون إليهم ويسمعُون منهُم، واهتمت خواصُّهم بأمور عوامهم وأقبلوا عليها بجدٍ ونصح وَمُثَابَرة وقوة، جَعَل الله ذلك صلاحاً لجماعتهم، وسبباً لأهل الصلاح من خواصهم، وزيادة فيما أنعم الله به عليهم، وبلاغاً في الخير كُله.
وحاجَةُ الخواص إلى الإمام الذي يُصْلحهم الله به كحاجة العامة إلى خواصهم وأعظم من ذلك. فبالإمام يُصْلح اللهُ أمرهم، ويكبِتُ أهل الطعن عليهم ويجمع رأيهم وكلمتهم، ويبين لهم عند العامة منزلتهم. ويجعل لهم الحُجة والأيْدَ في المقال على مَن نكب عن سبيل حقهم.
موعظة عمرية
زار يوماً حفص بن أبي العاص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان جالسا إلى طعامه فدعا إليه حفصاً، ولكن هذا رأى القديد اليابس الذي يأكل منه عمر، فاعتذر إليه. فسأله عمر رضي الله عنه: ما يمنعك من طعامنا؟. فأجاب حفص: إنه طعام جَشِب غليظ، وإني راجع إلى بيتي فأصيب طعاماً لينا قد صنع لي.
فقال عمر (رضي) أتراني عاجزاً عن أن آمر بصغار المعزى. فيلقى عنها شعارها، وآمر برقاق البرُ فيخبز خبزاً رقاقاً، وآمر بصاع من زبيب فيلقى في سمن، حتى إذا صار مثل عين الحجل صُبَّ عليه الماء فيصبح كأنه دم غزال. فآكل هذا وأشرب هذا؟ .. قال إنك بطيب الطعام لخبير..