وقد تغير هذا كله بعد هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وتأسيس دولة الإسلام فيها، فأصبح للعمران فيها خصائص ظاهرة مميزة، وصارت هذه الخصائص واضحة في جميع المدن الإسلامية بعد عصر الرسول مما سنبينه فيما يلي:
ثانياً- المدينة بعد الإسلام:
كانت هجرة خاتم الأنبياء والمرسلين- صلوات الله وسلامه عليه- من مكة إلى مدينة يثرب أهم أحداث التاريخ الإِسلامي، لما كان لها من نتائج كثيرة في حياة المسلمين وتاريخهم ومظاهر حضارتهم بعامة، وفي المدينة وسائر المدن الإسلامية بخاصة، فقد ظهرت آثارها في التنظيم السكاني، وفي التنظيم العمراني، وفي جميع مظاهر الحياة بعد تأسيس الدولة الإسلامية في تلك المدينة المنورة.
فصارت مقراً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومركزاً لإشعاع الإسلام، دين الله ودين الحق الذي يزهق أمامه كل باطل، دين التوحيد، الذي يدعو إلى عبادة إله واحد لا شريك له، ويحارب الشرك والوثنية، دين المساواة، الذي لا يفرق بين الناس جميعاً، على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم وأمكنتهم ولا يفضل عربياً على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى، لأن الناس جميعاً سواسية كأسنان المشط، فكلهم لآدم، وآدم من تراب، ولأنهم جميعاً مخلوقون من نفس واحدة كما قال الله الخالق سبحانه في أَول سورة النساء:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} وقد جعل الله بحكمته الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا.