وأسوا بنفوذ الدين الجديد يسيطر على أهل الجزيرة طائعين أو مكرهين، وماجت أندية القوم بآراء الناس في الرسالة والرسول، وارتفعت الأصوات في صخب وضجيج معارضة أو مؤيدة ومبشرة أو متوعدة، وعاد الناس إلى بيوتهم وقلوبهم واجمة مضطربة، وعيونهم شاخصة جاحظة، تدور رؤوسهم كالرحا، وهم لا يدرون ماذا تخبئ لهم الأيام المقبلة؟
بين يدي المعركة:
أيقن الشرك الحاقد أن الأمر قد أفلت من يده بنجاح خطة الهجرة إلى طيبة، وظل يجتر عداوته، ويبدئ ويعيد في خصومته، ونعم المؤمنون بالأمن والاطمئنان في وطنهم الجديد، وأخذوا يرسلون قواعد الدولة الفتية، ويخططون لإقامة المجتمع على هدى كتاب الله الذي كان يمدهم بكل ما يحتاجون إليه.
ظن السفهاء من المشركين أن الآلهة قد أراحتهم من محمد ودينه، وأنهم سيفرغون لعبادتهم من غير أن يكون هناك معكر لصفوها، وأيقن أولوا الرأي منهم أن نجاح الهجرة واستقرار الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة إنما هو بداية نهايتهم مهما طال بهم الأمد.
وأشار هؤلاء على قومهم بمهادنة محمد إذا لم يريدوا الدخول في دينه صلى الله عليه وسلم، ولقد لقوا من جراء صراحتهم عنتاً ومشقة وظلت الأوضاع هكذا جامدة لا تغادر أبواب مكة.
ولكن الرسول قد استعد للأمر، واتخذ وسائل لحماية الدولة الجديدة، فأخذ يعمل على تأمين حدودها فأرسل السرايا وبعث البعوث ليثبت قوة المسلمين، وقدرة الدولة الناشئة على حماية نفسها من أي عدو يبغيها الدوائر.
وخرجت سرية من المدينة تترصد عيراً لقريش قادمة من الطائف، وكانت القيادة فيها لعبد الله بن جحش واستولى المسلمون على القافلة وكانت محملة زبيباً وأدماً، وقتلوا عمرو ابن الحضرمي وأسروا رجلين من رجالها [١] .
ولم تتحرك قريش لهذا العدوان، وكأن الأمر لا يعنيها في قليل أو كثير حتى كانت قافلة أبي سفيان بن حرب القادمة من الشام والتي تمخضت عن غزوة بدر.