(بشارة أهل السنة بما أمدّ الله لهم في الجنة؛ فإنهم المستحقون للبشرى في الحياة الدنيا والآخرة، ونعم الله عليهم باطنة وظاهرة، وهم أولياء الرسول وحزبه، ومن خرج عن سنته فهم أعداؤه، وحربه لا تأخذهم في نصر سنته ملامة اللوام، ولا يتركون ما صحّ عنه لقول أحد من الأنام، والسنة أجل في صدورهم من أن يقدموا عليها رأيا فقهيا، أو بحثا جدليا، أو خيالاً صوفيا، أو تناقضا كلاميا، أو قياسيا فلسفيا، أو حكما سياسيا؛ فمن قدم عليها شيئا من ذلك فباب الصواب عليه مسدود، وهو عن طريق الرشاد مصدود..
وقد رتب المؤلف كتابه على سبعين بابا، ولكن نريد أن ندخل من خمسة أبواب - لست متفرقة -إلى تلك الحديقة الفيحاء ذات الأشجار المثمرة والظلال الوارفة والمياه العذبة.
وتلك الأبواب الخمسة التي سوف ندخل منها هي التي نظم فيها اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام، هل هي جنة الخلد أم هي جنة في الأرض؟ ثم ساق حجج من قال بأنها جنة الخلد، ثم ساق حجج الطائفة التي قالت إنها في الأرض، ثم ردّ كل طائفة على الأخرى.
اختلف أهل العلم في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام في قوله تعالى:{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ..} الآية، هل هي جنة الخلد التي وعد الله عباده المؤمنين، أو هي عبارة عن بستان كان في الأرض؟ ذهب جماعة إلى الرأي الأول، وذهب آخرون إلى الرأي الثاني بينما توقف الفريق الثالث في البت برأي؛ لتعارض الأدلة وصعوبة التوفيق بينها في نظرهم.
ولقد ساق ابن القيم رحمه الله هنا النقاش الذي دار بين العلماء، ساقه قي استيعاب عجيب ومهارة فائقة، وإنك لتجد فيه إلى جانب اللذة الروحية المتعة الذهنية، كما أنك واجد فيه من المعالم الهادية ما يجعلك تسير على بينة ورشاد، فنتهيأ إلى ما نراه لا يسوقك إليه إلا سلطان الحق وسطوة البرهان وجلال الحجة.