للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويكون فيهم المهندس الواسع الخيال، ذاك الذي يحسن تخطيط الطرق الطويلة الآمنة على سفوح الجبال، والجسور المديدة القوية على بطون الأودية وضفاف الأنهار، والعمارات المتطاولة الجميلة في أحياء المدن الكبرى، لا أن يكون مهندسا بارعا في تخطيط طرق الفساد في قلوب العباد، وإقامة الجسور لعبور أفكار خبيثة باسم العلم والثقافة، وبناء الخلايا الخبيئة المدمرة لصروح مجتمعات سليمة وعمائر خير وصلاح.

وأسأله تعالى أن يكون لأولادك جميعا نصيب من وقتك وجهدك وتوجيهك، وأن يكونوا جميعا تحت سمعك وبصرك، تراقبهم من قرب ومن بعد، وتنصح لهم بالقدوة وبالقول، ولا تتلمس المعاذير الواهية بكثرة الأعمال وضيق المجال وإرهاق الجسد، فتكون كمن يلقي البذور في الأرض حتى إذا خرج الزرع واستغلظ واستوى على سوقه، تركه مهبطا لطيور وافدة غريبة تغزوه، ومسرحا لديدان أوحال وحشرات تراب ترتع فيه.

وفي نهاية هذه الرسالة أسأل الله في أولادك أن يكونوا لك لا أن يكونوا عليك، أن يكونوا شبابك وقد أفنيت فيهم الشباب، أن يكونوا ثروتك وقد أنفقت عليهم ما جمعته من ثروة، أن يكونوا ثمرا يانعا وقد زرعت وسقيت وقلمت وحرست، أن يكونوا ظلا وارفا رطبا إذا هبت عليك سموم الحياة، أن يكونوا في عداد المسلمين حقا إذا عد المسلمون الصادقون فوق هذه الأرض.

ويا لهف نفسي، ويا لهف نفسك! ويا ضيعة مالك وجهدك! إن ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وعاشوا أرقاء لشرق أو لغرب، واتبعوا أهواءهم، وكان أمرهم فرطا.

سر ياصديقي على الدرب الذي أحببت، ودعني أسير على الدرب الذي أحب، وأرجو أن لا تجد في نفسك حرجا مما قضى الله.