فقالت عمارة ثالثة حمراء، حديثة البناء، جميلة الهندسة، قالت في شيء من الصلف والعجب: ومن هذا الذي تتحدثان عنه في حسرة، وترثيان لحاله في ألم؟! أو لا يكون في هذا النسيم الرخيّ البليل، وفي جمال هذا القمر الوضيء الجميل، وفي سماء هذه الليلة الصافية الإضحيانة، وفي مواكب هذه النجوم الباسمة الفتانة، أولا يكون في هذا كله ما يشغل عن البكاء والألم، ويدعو إلى الفرح والمرح والابتسام؟!
فأخذت العمارتان القديمتان تتبادلان نظرات الدهش، وتنظران إلى العمارة الجديدة الحمراء في استغراب، إلى أن قالت عمارة رابعة أقيم أنا في طابقها الأول: مه مه، أيتها العمارة الجميلة الحمراء! إنهما تتحدثان عن مسجد قائم في هذا الحي من قبل أن تكوني أنت فيه قائمة، ومن قبل أن يقيم فيه أهلوك وسكانك.
قالت العمارة الحمراء: أو تعنين ذلك البناء القديم ذا القباب العظيمة، والمئذنة العالية؟
قالت العمارة التي أقيم فيها: نعم! إنه هو المسجد الحي الذي يدعو الناس إلى الصلاة كلما حان وقت الصلاة، لينيبوا إلى ربهم ويذكروه بعد ساعات انغماس في شؤون هذه الدنيا، وربما كنت أنت عنه في شغل، فليلك موسيقى وطرب، ونهارك كسب وتجارة، أما جارتاك هاتان فلهما مع هذا المسجد صلات وثيقة، ومودات قديمة عميقة، فلا عجب أن تحزنا لحاله، وأن ترثيا لمآله.