الحق يا والدي العزيز أني لم أك عاقا لك ولا مدلسا عليك ولا مخادعا مراوغا، لقد كان علي أن أسلك أحد سبيلين: سبيل الفاحشة التي حرم الله، وليس لها من عقبى سوى الخسران والضياع، أو سبيل هذا الزواج الذي تكره، ولقد اخترت ما فيه عصمت لديني ورعاية لخلقي وزلفاي إلى الله، وهذا الخيار على فيه من مشكلات قد تحدث في المستقبل البعيد هو –فيما أعلم- خير عند الله وخير عند الناس وأحسن عاجلة وأفضل عقبى.
أما خيارك الثالث في الانتظار الطويل حتى أتخرج فلم أستطع عليه صبرا، وكيف يستطيع شاب مثلي غرثان مرمل ناهز الثلاثين من العمر، تعرض عليه اللحوم البشرية عارية تفيض غضارة ونضارة، وتناديه من عن يمينه ويساره على مقاعد الدراسة، وتلقاه وجها لوجه في الحدائق العامة والشوارع المزدحمة، وتنتظره من خلفه حيث يسكن ويأكل وينام، كيف يستطيع شاب مثلي هذه حاله أن يظل سبع سنوات: صائما بلا طعام، حيا بلا حس ولا قلب.
ما أسهل الحرب على النظارة يا والدي العزيز! وما أصعب غمارها وأشد أوارها على أولئك الذين يصطلون بنارها ويفغم أنوفهم دخانها وغبارها!!
لقد طلبت إليك منذ أربع سنوات أن أتزوج فتاة من بلادي وجنسي، وعلى ديني وحسي، ولكنك أبيت كل الإباء، ورفضت بعنف وشراسة تهدد وترعد وتوعد، فلم أستطع إلا أن أسكت على خوف، وأظهر الرضا على مضض، وفي القلب لهيب حب تحت الرماد، وفي النفس حسرات هوى تكاد تقتل.
ما أكثر ما كنت تعزيني عن ذاك الزواج وأنا أجلس إلى جوارك حزينا مطرق الرأس فتقول: صبرا صبرا يا بني، غدا تصبح طبيبا، وسوف أفتح لك عيادة في أوسع شوارع عمان وأكثرها ازدحاما وحياة وحركة، وسوف أعلق فوق باب العيادة لافتة كبيرة كتب عليها بخط كبير جميل اسمك مقرونا باسمي واسم العائلة، وسوف أزوجك فتاة من إحدى العائلات المعروفة ذات الصيت البعيد والسمعة الطائرة والسلطان الواسع.