ولقد أشعلت هذه الخطبة جذوة الحماسة في نفوس الجماهير النصرانية شريفهم وضعيفهم على السواء فهبوا عن بكرة أبيهم حتى بلغ عدد المتطوعين مائة وخمسين ألفاً من النورمانديين والفرنج ولم يكن الحماس الديني وحده هو الذي دفع هذه الجماهير إلى شن الغارة على الشرق الإسلامي بل إن كثيراًَ من الأمراء ومن بينهم (بوهيمند) ، خرجوا استجابة لأطماعهم في تكوين إمارات لهم في الشرق الأوسط كما كانت المصالح الإقتصادية هدف تجار البندقية وبيزه وجنوة.
وكان من بين تلك الجماهير أرقاء الأرض الذين وجدوا في التطوع لهذه الحروب فرصة للتخلص من أمراء الإقطاع وكذلك الفقراء الذين ملوا في أن يجدوا لهم مصدر رزق في الشرق والمجرمون الذين وجدوا في الحروب من أجل تخليص بيت المقدس تكفيراً عن ذنوبهم [٢] .
تلاحقت الجيوش التي تكونت منها الحملة الصليبية الأولى في القسطنطينية ثم عبرت منها إلى آسيا الصغرى سنة ٤٩٠ هـ واشتبكت بجيوش السلطان (قليج أرسلان) السلجوقي عند مدينة (قونية) فهزمتها واستولت على المدينة ثم واصلت سيرها إلى مدينة (أسكي شهر) وفتحتها [٣] .
ثم عبر الصليبيون جبال طوروس واتجهت فرقة منهم تحت قيادة (بلدوين) واستولت على (الرها) في أوائل سنة ٤٩١ هـ أما بقية الصليبيين فقد واصلوا سيرهم نحو الجنوب وضربوا الحصار على مدينة (إنطاكية) التي كان يحكمها أمير تركي منذ عهد (ملكشاه) يدعى (ياغي سيان) . وبعد تسعة أشهر تمكنوا من فتحها.