استراح الصليبيون فترة ثم اتجهوا إلى مدينة بيت المقدس التي كانت قد عادت إلى حكم الفاطميين منذ بضعة أشهر فقط وكان يحكمها من قِبل الخليفة الفاطمي (المستعلى بالله) أمير يسمى (افتخار الدولة) تؤيده حامية لا تتجاوز ألف جندي. ومع ذلك صمد لحصار الصليبين نحو أربعين يوماً تمكنوا بعدها من فتح المدينة سنة ٤٩٢ هـ وارتكبوا من ضروب الوحشية ما تقشعر منه الأبدان وتنكره الشرائع وقتلوا من سكانها سبعين ألفاً بغير ذنب.
أنشأ حماة الصليب. ثلاث إمارات في المشرق: إمارة الرها وأميرها (بلدوين) وامارة أنطاكية وأميرها (بوهيمند) وأمارة بيت المقدس وأميرها (جود فري) . وقد تكونت من هذه الإمارات الثلاث المملكة اللاتينية في الشرق أختير (جود فرى) ملكاً لها ولقب (بارون وحامى حمى القبر المقدس) .
ولما كان لابد لتأييد مركز الصليبيين في الشام وتأمين طريقهم إلى أوروبا من احتلال مدن الساحل شرع جود فرى في احتلالها بمساعدة السفن الإيطالية التي بذل أصحابها المعونة ليجعلوا من هذه الثغور أسواقاً جديدة لتجارتهم. وكان معظم تلك الثغور تابعاً- للدولة الفاطمية. ومن بينها مدينة طرابلس فطمع الكونت (رايموند) في فتحها وحاصرها سنة ٤٩٤ هـ ولكنه لم يتمكن من فتحها ومات قبل أن تتحقق أمنيته ولكن ابنه (برتراند) حقق هذه الأمنية في أواخر سنة ٥٠٢ هـ حيث استولى على المدينة بمساعدة أسطول جنوي [٤] . وبذلك تكونت إمارة صليبية رابعة تبعت بيت المقدس.
وكانت إمارة بيت المقدس وما يتبعها من الإمارات الثلاث: الرها وإنطاكية وطرابلس هي الإمارات اللاتينية الوحيدة التي قامت على أرض إسلامية لذلك كانت أملاك الصليبيين قاصرة على مساحة ضيقة من إقليم الجزيرة وبعض أجزاء الشام الشمالية والسهل الساحلي الضيق. أما المدن الداخلية كحلب وشيزر وحماه وحمص وبعلبك ودمشق فإنها لم تدخل في حوزة الصليبيين.