إن المساحة التي اقتطعها الصليبيون من أرض المسلمين وأنشأوا عليها مملكتهم كان الجزء الشمالي منها تابعاً للدولة العباسية والجزء الجنوبي تابعاً للفاطميين. وكان مسرح نزاع على النفوذ والسيطرة بين الدولتين لعدة سنوات قبل مجيء الصليبين إليها.
أما العباسيون فإن دولتهم كان قد تجدد شبابها على يد سلاطين السلاجقة الثلاثة الأول: طغرل بك وألب أرسلان وملكشاه (٤٤٧- ٤٨٥) هـ ولكن خلفاءها لم يكم لهم من الأمر شيء وكان النفوذ والسلطان للسلاجقة فلما توفي السلطان ملكشاه الذي جاء الصليبيون إلى الشرق بعد موته بسنوات معدودة تنازع أبناؤه على السلطنة فضعف أمرهم وانشغلوا بالنزاع فيما بينهم واستغل الخلفاء هذا النزاع ليستعيدوا سلطتهم وشغلوا بذلك عما يجري في الشام من أحداث [٥] . وتركوا الصليبيين يبنون لهم ملكاً في أحشاء العالم الإسلامي ويشيدونه ولم يفكروا في دعوة المسلمين إلى الجهاد ويخرجوا بأنفسهم على رأس المجاهدين ليصدوا هؤلاء المغيرين عن بلاد الإسلام.
ولو أن هؤلاء الخلفاء أعلنوا النفير العام وحاولوا إيقاظ شعور العالم الإسلامي وإشعال الحماس الديني في نفوس المسلمين- كما فعل البابوات في أوروبا- لأحرزوا بعض النجاح إن لم يحرزوه كله واستطاعوا أن يعطلوا سير الصليبيين إن لم يستطيعوا أن يردوهم على أعقابهم إلى أوروبا.
ولم يهتم السلاجقة كذلك بجهاد الصليبيين بل كانوا في شغل شاغل بالتنافس على كرسي السلطنة فيما بينهم ومراقبة الخلفاء حتى لا يتمكنوا من استرداد سلطانهم وهكذا شغل هؤلاء وهؤلاء بمصلحتهم الشخصية عن الواجب الديني الذي فرضه الله على المسلمين