وقد زعم عبد القاهر الجرجاني أنه لم ير للمانعين علة لمنعه أكثر من أنه يؤدي إلى اللبس [٢١] . ورجع المنع - في نظره - إلى علتين:
١- اتفاقهم على أن التعجب أصله أن يدخل فيما هو غريزة.
٢- أن همزة فعل التعجب همزة تعدية.
والحق أن غير عبد القاهر قد سبقه إلى التنبيه إلى هاتين العلتين وكأني بعبد القاهر لم يطلع على كلامه.
فالذين منعوا أن يصاغ التعجب من الفعل الواقع على المفعول قالوا:
١ - إنّ فعل التعجب وأفعل التفضيل إنما يصاغان من الفعل اللازم، ولهذا يقدّر نقله من (فَعَلَ) و (فَعِلَ) المفتوح العين ومكسورها إلى (فَعُل) المضموم العين [٢٢] .
فالفعل في قولهم:(ما أفعله) ، يقع النقل منه عن فعل غير متعد يدل على ذلك مساواة الفعل المتعدي الفعل غير المتعدي فيه، وذلك في قولنا: ما أحسن زيداً!، وما أضرب عمراً! , فحسن غير متعد، فإذا زيدت عليه الهمزة تعدى إلى مفعول واحد، كما أن سائر الأفعال غير المتعدية كذلك، نحو: قام زيدٌ وأقمته، فلو كان النقل عن الفعل المتعدي في هذا الباب، لوجب أن يتعدى الفعل المتعدي فيه إلى مفعول واحد إلى مفعولين، وفي امتناعه من ذلك دلالة على أن النقل وقع من فعل غير متعد" [٢٣] .
قال ابن جني: "وكذلك نعتقد في الفعل المبني منه فعل التعجب أنه قد نقل عن (فَعَلَ) و (فَعِلَ) إلى (فَعُلَ) حتى صارت له صفة التمكن والتقدم، ثم بني منه الفعل، فقيل:(ما أفعله) ، نحو: ما أشعره، إنما هو من "شَعُرَ"، وقد حكاها أيضاً أبو زيد، وكذلك: ما أقتله وأكفره، وهو عندنا من "قَتُلَ "و"كَفُرَ"تقديرا، وإن لم يظهر في اللفظ استعمالا" [٢٤] .