ويقرر أهل العربية أن الفعل إذا فقد تمام التصرف، والتفاوت فلا يتعجب منه البته، ويتوصل إلى التعجب مما سواهما ب (أَشَدّ) أو ب (أَشْدِدْ) ونحوهما، ويؤتى بعدهما بالمصدر منصوباً أو مجروراً، إلا أن المصدر قد يكون صريحاً مما زاد على ثلاثة ومما وصفه المنقاس على (أفْعَلَ فَعْلاَء) ويكون مؤولا عن المنفي والمبني للمفعول، وأما الناقص فمن قال: له مصدر، فيأتي به صريحاً، ومن قال: لا مصدر له، أتى به مؤوَلاً.
وأما ما لا فعل له، فقيل: لا يتعجب منه، وقيل: يتعجب منه، ويؤتى بعد (ما أشدَّ) أو (أشدد) بمصدره الصناعي، نحو: ما أشدَّ حماريته.
ونحن في بحثنا هذا، لم نورد ما أوردناه - وهو واضح - إلا من باب تقرير الواضح، لما سيبني عليه فيما بعد من أحكام، وأما فعل المفعول فأوّل ما يقال فيه تعيين المراد منه.
لا نقصد بفعل المفعول: الفعل الذي لم يسم فاعله، أو الفعل المبني للمجهول, بل لا نفرق بين "ضُرِبَ عَمروٌ"و"ضَرَبَ زيدٌ عمراً"لأن التعجب - كما يقول الجمهور - لا يكون إلا من الفاعل لا من المفعول، وقد استدرك الرازي على الجوهري، فقال:"تعليله يوهم أنه إذا سُمّي فاعله يجوز، وليس كذلك، فإنك لو قلت: ضرب زيد عمراً، وقلت: "ما أضْرَبَ عمراً"لم يجز، لأن التعجب إنما يجوز من الفاعل لا من المفعول"[١٨] .
وقد ذهب أهل العربية في جواز التعجب من فعل المفعول بدون واسطة (أشدَّ) أو (أشْدِد) إلى أقوال:
١ - المنع مطلقاً. وهو مذهب جمهور النحويين، ومنهم البصريون، وهو ظاهر كلام سيبويه.
٢ - الجواز مطلقاً، وهو المشهور عنِ الكوفيين، كما سيأتي.
٣ - الجواز إذا كان الفعل ملازما لصيغة (فُعِل) نحو: عُنِيتُ بحاجتك، وزُهِيَ علينا، فيجيز: ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا [١٩] .
٤ - الجواز إذا أمن اللَّبْسُ، وهذا مذهب المحققين من النحاة، كخطّاب وابن مالك [٢٠] .