ويحسن أن نذكر هنا حادثة تشهد أن محمدا رسول الله بلا شك ولا ريب، وهي واحدة من معجزاته الكثيرة الدالة على صدق نبوته وصحة رسالته. ذلك أن جماعة من كفار قريش وقفوا أمام الغار يبحثون عنه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه خوفا على حبيبه:"يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا.."فأجابه إمام الموحدين صلى الله عليه وسلم مُطمئنا: "يا أبا بكر ما بالك باثنين اللهُ ثالثُهما؟ " وهذه هي المعيّة الخاصة لأولياء الله بالنصر والتأييد فالله جل جلاله مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى عما يصفه المشبِّهون. ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ورفيقه الصديق رضي الله عنه واتخذا طريقا غير مطروق للإمعان في التخفي والحذر، وكان الدليل لهما عبد الله بن أُريقط، رجلا من الكفار حتى وصلا إلى يثرب آنذاك سالمين في الثاني عشر من ربيع الأول.. لقد دامت الرحلة الميمونة سبعة أيام وثلاثة في غار ثور ولا يفوتني أن أذكر وأنبه إلى أنه خلال الأيام الثلاثة كانت أخبار قريش وتحركاتها تبلغه عن طريق عبد الله بن أبي بكر، وأخته أسماء، وعامر بن فُهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنهم - فكانت أسماء تحمل الطعام في المساء طول الثلاثة الأيام إلى النبي والصديق، وكان عبد الله يتتبَّع أخبار وخطوات قريش كما هو شأن العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة حيث كان يُمثل محطة الأخبار أو بالتعبير العصري مركزا للمخابرات. وأما عامر بن فُهيرة فكان يرعى الغنم في النهار ويعرج بالغار مساء ليُخفي أثر أقدام عبد الله وأخته أسماء. إذن لقد كانت طرقُ الحيطة وأسباب الحذر مستعملة من أجل أن تنجح الرحلة ويقضي الله أمرا كان مفعولا.