أما الذين يتغنَّون بأمداح - يزعمون أنها تُرضي عنهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم - وفيها من الشرك ما تكاد تتفطر منه السموات، ومن الضلالات والمفتريات ما تكاد تخِرُّ منه الجبال الشامخات، فأولئك ما فقهوا دينهم ويخالفون النقل والعقل - فتراهم يقررون أن العنكبوت نسجت على باب الغار نسيجها الرقيق فستر أعين المشركين عن رؤية الرسول الكريم وصاحبه، وأن حمامتين باضتا في فم الغار فظن المشركون أن هذا الغار من عهد قديم لا يستطيع إنسيّ أن يلجه فيجعلون نجاة الرسول وصاحبه منحصرة في هذه الأشياء التافهة وينفون بهذا وذاك أسباب الحيطة التي اتُخذت وأن الله مع نبيه بالحفظ والتأييد.
فيا ليت قومي يستفيقون من غفلتهم وينتبهون لهفواتهم وزلاتهم.
ومرة أخيرة لنعش لحظات ممتعة مع هذه الحادثة العجيبة ألا وهي قصة سراقة بن مالك الذي كبا فرسه مرتين فعلم أن هناك قوة خفية قاهرة تحمي محمدا عليه الصلاة وأفضل التسليم، فتراجع عن إبلاغ قريش عثوره على صاحب الهجرة بل وَعَدَ وأقسم للرسول صلى الله عليه وسلم أن يضلِّل كل من يبحث عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم فوعده الرسول صلى الله عليه وسلم بسوار كسرى، ملك الفرس ورجع سراقة بن مالك بفكرٍ غير الفكر الذي خرج به من مكة باحثا عن محمد، وبعقيدةٍ غير العقيدة التي حملها أول مرة ونستطيع أن نقرر أنه عاد داعيا إلى اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وكفِّ الأذى عنه. ذلك ما نستنبطه من أبياته التالية يخاطب بها أبا جهل زعيم الكفر والطغيان: