للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الصورة الثانية - وهي المفهومة من كلمة (التبني) عند الإطلاق، وهي المعلومة في لغة الشرائع، ومتعارف الأمم - فهي أن ينسب الشخص إلى نفسه طفلاً يعلم أنه ولد غيره، وليس ولدا له - ينسبه إلى نفسه نسبة الابن الصحيح، ويجعله في عداد أسرته، وفرداً من أفرادها، وحلقة من سلسلتها، ويعتبره ابناً من صلبه، ويثبت له أحكام البنوة وحقوقها، من استحقاق إرثه بعد موته، ومن حرمة تزوجه بزوجته إذا فارقها، وحرمة تزوجه بابنته، إلى غير ذلك.

وهذا المعنى للتبني هو الذي كان متفشياً في الجاهلية، ومتعارفاً بين أهلها، ينظرون إليه على أنه شرعة وقانون، وكان سبباً من أسباب الإرث التي كانوا يورثون بها.

فكان في المجتمع الجاهلي في العرب أبناء لا يعرف لهم آباء, وكان الرجل منهم يعجبه أحد هؤلاء الأبناء فيتبناه، يدعوه ابنه، ويلحقه بنسبه، فيتوارث وإياه توارث النسب الصحيح, وكان هناك أبناء لهم آباء معروفون، ولكن كان الرجل يعجب بأحد هؤلاء الأبناء فيأخذه لنفسه ويتبناه، ويلحقه بنسبه، فيعرف باسم الرجل الذي تبناه، وينتظم في سلك أسرته، وكان هذا يقع بخاصة في السبي حين يؤخذ الأطفال والفتيان في الحروب والغارات فمن شاء منهم أن يلحق بنسبه واحداً من هؤلاء دعاه ابنه، وأطلق عليه اسمه, وصارت له حقوق البنوة وواجباتها.

والتصاق الأدعياء بالبيوت، واتصالهم بأنسابها - كان أمراً تدين به العرب، وتعده أصلاً يرجع إليه في الشرف والحسب, وكانوا يعطون الدعيّ جميع حقوق الابن الحقيقي.