ويجرون عليه وله جميع الأحكام التي يعتبرونها للابن حتى في الميراث وحرمة النسب، ولا شك أن هذه عقيدة جاهلية مقيتة أراد الله تعالى محوها بالإسلام حتى لا يعرف من النسب إلا الصريح، ولا يجري من أحكامه إلا ما له أساس صحيح. ولذلك لما جاء الإسلام وبيّن الوارثين والوارثات بالعناوين التي قررها وجعلها أسباباً في استحقاق الإرث أسقط التبني من أسباب التوارث، وحصر هذه الأسباب في الأبوة، والأمومة، والبنوة الحقيقية، والزوجية، والأخوّة، والأرحام, على تفصيل بعلم من كتب الشريعة التي عنيت ببيان هذه المسائل.
أقول: لما جاء الإسلام وأخذ ينظم علاقات الأسرة على الأساس الطبعي لها، وأخذ يحكم صلتها وروابطها، ويجعلها صريحة لا خلط فيها ولا تشويه - أبطل عادة التبني هذه - وقصر علاقة النسب على علاقة الأبوة والبنوة الواقعية، وميّز بين البنوة الصحيحة والبنوة المدعاة، وحدد علاقة التبني، وجعلها علاقة أخوّة ومساواة في ظلال النظام الإسلامي الجديد.
لم يقف الإسلام في إبطال التبني الجاهلي عند إسقاطه من أسباب الميراث، بل جاءت الآيات القرآنية مصرحة ببطلانه، مبينة حكم الله فيه، وقد جاء ذلك في قوله تعالى في سورة الأحزاب {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} الأحزاب، وبنزول هذه الآية الكريمة أبطل الله تعالى هذه العادة المرذولة (عادة التبني) وحرم على المسلمين أن ينسبوا الدعي لمن تبنّاه وحظر عليهم أن يقتطعوا له شيئا من حقوق الابن الصحيح قل أو أكثر.