وقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} الأدعياء جمع دعيّ وهو من يدعي ابناً - فعيل بمعنى مفعول - أي لم يجعل الله أدعياءكم بمجرد تبنيكم لهم كأبنائكم في كل أحكام البنوة من النسب، والتوارث، وغير ذلك.
ثم قال تعالى:{ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} أي ذلكم الإلحاق، وهذا التبني إنما هو قولكم بأفواهكم، ومجرد القول لا يقتضي أن يكون الدعيّ ابناً حقيقياً فإنه مخلوق من صلب رجل آخر, ولا يمكن أن يكون له أبوان، فهو ابن أبيه من النسب ولو تبناه غيره, فهذا القول الذي تلوكونه بألسنتكم لا يغيّر واقعاً، ولا يقلب حقيقة، ولا ينشئ علاقة الوراثة للخصائص التي تحملها النطفة, ولا يخلق علاقة المشاعر الطبيعية، الناشئة من كون الولد بضعة حية من جسم والده الحيّ.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} أي يقول الحق البيّن الذي لا يشوبه باطل، ومن الحق إقامة العلاقات على تلك الرابطة الحقة المستمدة من اللحم والدم، لا على كلمة تلوكها الأفواه، وتنطق بها الألسنة، من غير أن تؤازرها الحقيقة ويسندها الواقع.
{وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} أي يرشد عبادَهُ إلى الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ولا التواء، ثم أمرهم الله تعالى أن ينسبوا الأبناء إلى آبائهم من الصلب تأكيداً لما سبق فقال سبحانه:{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} أي انسبوا من ألحقتموهم بكم _ وهم ليسوا منكم _ انسبوهم لآبائهم من النسب فلا تقولوا زيد بن محمد مثلاً، ولكن قولوا: زيد بن حارثة.
{هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي نسبتهم لآبائهم أعدل في حكم الله، وإنه لقسط وعدل ألاّ ينال حق الابن إلاّ من يكون ابناً في الحقيقة والواقع.