وإنه لقسط وعدل أن يدعى الولد لأبيه، عدل للوالد؛ لأن هذا الولد ما هو إلا بضعة منه, وعدل للولد لأنه الذي يحمل اسم أبيه، ويكون امتدادا له بوراثته الكامنة, وتمثيله لخصائصه وخصائص آبائه وأجداده، عدل للحق في ذاته، الذي يضع كل شيء في مكانه، ويقيم كل علاقة على أصلها الفطري، ولا يكلف غير الوالد الحقيقي بتبعة الأبوة, ولا يعطيه مزاياها، ولا يحمل غير الولد الحقيقي تبعة البنوة، ولا يحابيه بخيراتها.
هذا هو النظام الذي يقيم الأسرة على أساس ثابت دقيق مستمد من الواقع, ويقيم بناء المجتمع على قاعدة قوية مطابقة للحق الفطري العميق.
ثم كان من يسر الإسلام وسماحته أن وضع لهؤلاء الأدعياء إذا لم تعرف آباؤهم _ وضع لهم مكاناً في الجماعة الإسلامية، وهو الأخوّة في الدين، والموالاة فيه حتى لا يترك هؤلاء بغير رابطة في الجماعة بعد إلغاء رابطة التبني فقال تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} , فالشخص الذي إذا عرف أبوه نُسب إليه، وقيل: فلان بن فلان، فإن لم يكن له أب معروف نُسب إلى الأخوّة في الدين والوَلاء، فقيل: فلان أخو فلان في الدين، أو فلان مولى فلان، ثم بيّن الله عز وجل أنه يعفو عن اللفظ يصدر عن خطأ وسبق لسان، لا عن قصد ونية، بأن يقول الرجل لآخر: هذا ابني، أو ينادي شخص آخرَ بمثل ذلك، لا عن قصد التبني، ولكنه لا يعفو عن العمد في ذلك الذي يقصد به إلصاق الأدعياء بالبيوت. وخلطهم بالأسر كما كان معروفاً من قبل فقال تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} .