للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومع أن اتصال اللفظ بصفات الله يقتضي الرجوع باستيضاحه إلى أئمة الحديث والتفسير والفقه بالدرجة الأولى، فقد أغفل هذا الجانب تماما مكتفيا بالدلالات اللغوية، وهو الأديب البليغ الذي لا يفوته أن اللغة واحدة من وسائل المعرفة الكثيرة في هذا الميدان، وأن كل ما يتعلق بأسماء الله وصفاته يعتمد في تحديده على المأثور من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومفهوم السلف.. ولو تُرِكَ أمره إلى اللغويين وحدهم لاضطرب الحبل، وضاعت الحقيقة في ركاب المجازات والكنايات وما إليها من معمَّيات..

ثم شيء آخر لا مندوحة عن التوكيد عليه في نقول اللسان.

إن هذا المعجم الموسوعي قد أُلِّفَت أصوله في ظروف متأخرة، ثم جاء ابن منظور رحمه الله ليضم بعضها إلى بعض في عهد تراكمت أثناءه مقررات الفرق وأهل الكلام والمتفلسفة، فابتعدت السبيل بالفكر الإسلامي عن ينبوع الوحي المصفّى، إذ أصبحت آراء الرجال هي الحكَمَ الفصلَ في كل خلاف بين الكثرة من أهل العلم.

وما كان لابن منظور ولا سواه أن يتخلص من آثار ذلك الجو إلا من رحم الله، ومن هنا تسللت إلى أعمالهم اللغوية والثقافية تلك الشواذ التي لم ينقل مثلها عن أحد من أئمة الهدى في خير القرون.

وعلى هذا فإن مجرد إلحاق مثل تلك الرواية بالحسن وأصحابه لا يكفي للقطع بصحتها، لأن الإقدام على تحكيم اللغة والهوى في تأويل صفات الله لم يكن مما يسوغه التابعون أو يسكتون عليه، فضلا عن أن يقبلوه ويقولوا به، وإنما نجم ذلك على لسان بعض المتتلمذين اليهود والصابئة بعد عصر الحسن بزمن، ثم تفاقم الأمر بعد محنة الإمام أحمد، وشرع المتأثرون بمترجمات الفلسفة يطلقون سهامهم لتحريف المفهومات الإسلامية عن صفات الحق سبحانه..