للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يتورعوا عن الكذب على الأئمة بأن ينسبوا إليهم ما لم يقولوه، أو يذهبوا بأقوالهم إلى غير ما أرادوه. وقد نقل شيخ الإسلام بن تيمية عن الطبري عن الإسفرائيني عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة "أن الفقهاء كلهم اتفقوا على الإيمان بالقرآن والأحاديث في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه.."وروى البيهقي بإسناد صحيح عن أبي عبيد القاسم بن سلام أن "هذه الأحاديث التي فيها: ضحك ربنا من قنوط عباده، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك فيها قدمه.. هي عندنا حق حملها الثقات بعضهم عن بعض، غير أنا لا نفسرها، وما أدركنا أحدا يفسرها [١] . فليت شعري.. ألا يسعنا اليوم ما وسع أمس أولئك السادة من أهل الحق، فنقف حيث وقفوا من أوصاف الله نفسه، وأخبار رسوله عنه، فلا نتجاوز سبيلهم إلى التأويل والتعطيل وما يقاربهما‍!..

وما الذي يحول بيننا وبين الإيمان بأن لربنا قدما وعينا وسمعا وبصرا وساقا وما إلى ذل مما ثبت من صفاته العُلى في كتابه وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم؟.. وفيم نفتح على أنفسنا أبواب التكلف فنصرفها عن وجوهها إلى المجازات والكنايات وما في سبيلهما؟

إذا كان الباعث على ذلك خوف الوقوع في التشبيه والتجسيم فقد كفنا الله ذلك الخطر بنفي مشابهته لخلقه في أي شيء، فنحن نؤمن بكل ما صح عنه وعن رسوله في صفاته مع كمال تنزيهه عن المشابهة.. فيده وقدمه وعينه مثلا كعلمه وقدرته وحكمته، نثبتها كلها على الوجه اللائق بكماله سبحانه.

فكما أن علمه لا يشبه علم الإنسان، وقدرتهُ وحكمتهُ لا مجال للمشابهة بينهما وبين هاتين الصفتين في مخلوقاته كذلك الأمر في القدم واليد والعين، لا تشبهها قدم، ولا تناظرها عين ولا تقاس بها يد..

ونحن نقرأ في كتاب الله وصفه لألوان النعيم في الجنة فلا نتصور أنها من النوع نفسه الذي نتمتع به في الدنيا، وإنما لكل من النعيمين مزيته المناسبة لبيئته..