وهو يعني أن الأرامل ألزمن التربص ومنعن من الزواج بسبب أزواجهن المتوَفّيْن، فترك الحديث عن هؤلاء المتوفين وصرف إلى الزوجات اللاتي سيقت الآية لبيان ما يجب عليهن".
وهو كلام جيد من ناحية معناه، ولكن بقيت المشكلة النحوية بدون حل.
ويعود الطبري فيعرض حلاً آخر فيقول:
"وقد زعم بعض أهل العربية أن خبر {الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} متروك، وأن معنى الكلام. . . ينبغي لهن أن يتربصن بعد موتهم".
وليس هذا أيضاً حلاً نحوياً، إنما هو بيان للمعنى المقصود، والمعنى واضح ولكن المشكلة مشكلة تركيب وقواعد نحوية، وليس منها أن يحذف كل هذه الكلمات.
وقدر الزمخشري مضافاً محذوفاً في أول الجملة، واعتبر أصل التركيب: وأزواج الذين يتوفون. . يتربصن، وإذن فالنون في (يتربصن) تعود على المبتدأ المحذوف وهو (أزواج) . وعَرَض توجيهاً آخر، فقدر محذوفاً في آخر الجملة لا في أولها. وقال: التقدير يتربصن بعدهم، وهذا كما يقال: السمن منوان بدرهم، أي منه.
ولعل أقرب [١] هذه التحليلات وأدناها إلى منطق النحو ما ذكره الزجاج في كتابه (معاني القرآن وإعرابه) من أن (أزواجاً) تحمل ضميراً يعود على المبتدأ، والتقدير:(ويذرون أزواجاً لهم) وإذن فالضمير في (يتربصن) لا يعود على (أزواجا) منفصلة عن الاسم الموصول. وإنما هي بمعنى (أزواجهم) ويذكر الزجاج نظيرا لهذا من الكلام، إذ يقال مثلاً: الذي يموت وله بنتان ترثان الثلثين، فكلمة (بنتان) تحمل ضميراً ومعنى من المبتدأ، والألف في (ترثان) هي بمعنى (بنتاه) وإن فالخبر ليس خالياً من الرابط.
هذا الذي ذكره الزجاج قريب من اللغة، ولم يقدر فيه محذوفات بعيدة أو كثيرة كما فعل غيره.