والتعبير بعد كل هذا ليس شيئاً خارجاً عن الأساليب العربية، فالبحث إنما هو عن تخريجه ووجهته الإعرابية، وقد ذكر كل من الفراء والزجاج نظيراً لهذا الأسلوب قول ثابت قطنة [٢] :
على ابن أبي ذبان أن يتندما.
لعلي إن مالت بي الريح ميلة.
فاسم (لعل) هي ياء المتكلم، والخبر هو (يتندم) ، وكان الأصل: لعل ابن أبي ذبان أن يتندم، إن مالت بي الريح عليه، ولكن هذا التعبير يجعل المتكلم تابعاً في الكلام لا أصلاً، والتقدير هنا لعلي مع ابن أبي ذبان، وهو على أي حال ليس منقطع الصلة عن اسم (لعل) .
وهذا كما تقول: لعلي إن ضربت بسيفك ينكسر، ولعلي إن حاربتك تنهزم و (لعلّ) في كل هذه الحالات بمعنى الاشفاق، ولكنها ما زالت بحاجة إلى اسم وخبر. وقد ضرب أبو عبيدة في مجازه صفحاً عن هذه الآية.
ونقل الطبري هذا الشاهد السابق وأوْرد تنظيراً آخر وهو قول الشاعر:
بغير دم دار المذلة حلت.
ألم تعلموا أن ابن قيس وقتله.
قال:"فألغى ابن قيس وقد ابتدأ يذكره. وأخبر عن قتله أنه ذُلّ".
وهذا الاستشهاد غير قوي، لأنه يحتمل التأويل بالمفرد، فيمكن أن تكون الواو للمعية، فيظل الحديث عن ابن قيس الذي قتل لغير جريرة. ويكون التقدير: إن ابن قيس مع قتله بغير ذنب هو إن وذلة، فما بعد الواو فضلة لا يحتاج إلى إخبار عنه. ومن المألوف السائغ أن يقال: إني وما ملكت يدي ملك لك ورهن أمرك، وفي القرآن أيضاً:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّم} .