ومن الأساليب التي أثارت تساؤلات البلاغيين ما حكى به القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح الذي قابله, وهو الخضر عليه السلام، إذ قال:{حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} .
فقد تكررت كلمة أهل، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: حتى إذا أتيا أهل قرية استطعماهم. فذهب كثير من المفسرين واللغويين يتلمسون العلل لهذا الإظهار في موضع الإضمار، والواقع أن الأمر ليس كذلك، وليس في الآية إظهار في محل الإضمار، بل يتعين أن يكون التعبير كذلك {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} ولا يجوز (استطعماهم) .
ويرجع سبب الاختلاف في وجهة النظر إلى الاختلاف في تقدير جواب الشرط فالذين قدروه (استطعما أهلها) جواب الشرط اعتبروا أهلها إظهاراً، ولكن هذه لا تصلح جواب شرط، وإنما جواب الشرط هو {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} ، ذلك أن الآية تقص ما حدث على يد العبد الصالح من أمور شاذة واعتراض موسى عليه فيما يفعل، وهنا أمر عجيب وهو أن القوم قد بخلوا عليهم بالطعام رغم سؤالهم إياهم، ومع هذا يقيم الخضر لهم الجدار بدون أجر. لهذا اعترض موسى عليه، فسياق القصة كلها يقضي أن يكون جواب الشرط إما فعلاً عجيباً من الخضر أو اعتراضاً من موسى.