وهنا أدركنا سرور الشيخ بوجودنا عنده من خلال أسطر البشر التي قرأناها على جبينه الناصع..
وقال: اعلموا أن الأدب لا يعترف بشيء اسمه "سن"وإنكم على ما ترون من كبر سني لربما كنت أشب منكما نفساً..؟
وكانت كلماته هذه قد أزالت بيننا وبينه كل حواجز التحفظ وقلت له:
ولكن نفراً ممن ينتمون إلى الأدب في زماننا قسموا الأدباء إلى قسمين:
أ – أدباء شيوخ.
ب – أدباء شبان.
وهنا اعتدل في جلسته وقال: اعلموا بنيّ أن هذا التقسيم غير علمي، ومبني على مغالطة لا تليق بمن ينتسب إلى هذه النسبة الشريفة "الأدب". قلنا: كيف؟ قال: إن الأدب منحة إلهية يمنحها من عباده أولي النفوس الشفاقة، والذوق السليم والحس المرهف، والنفس العطوفة التي تتأثر بكل شيء. ترى الجمال فتصفه وصف الشاكر وترى الجرح فتأسوه بيد الرحمة.. الأديب مصباح مضيء بالليل، هو جميل في نفسه بما فيه من الضياء الساطع، وفتيلته المحترقة: قلبه؛ لأنه يعيش لغيره قبل نفسه.. وشاعر بالنهار بمشاكل جيله فيضع لها الحلول المناسبة من واقع تجربته الذاتية.. هؤلاء هم الأدباء سواء كانوا شيوخاً أربوا على المائة أم شباناً لا يزالون في عمر الزهور والرياحين.. والمغالطة المبينة على تقسيمهم الذي ذكرت هي: أن هذا الأديب "الشيخ.."يفكر تفكير الشيوخ المحالين على التقاعد.. وأفكارهم ينبغي لها أن تحال على التقاعد أيضاً.!
وهذا الأديب "الشاب.."يفكر تفكير الشباب الناضج المتفتح على الحياة والمثقف ثقافة خاصة، وهذا هو مفهوم المخالفة – كما يقول علماء الأصول -.