للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالأول: تأليف الحروف المتباعدة، نحو: كتب وجلس ودخل، وهو الأحسن والمختار، هو الكثير في كلام العرب.

والثّاني: تضعيف الحرف نفسه، نحو: عدّ وفكّر، أو تكريره، نحو وسوس وهمهم، وهو يلي القسم الأول في الحسن، وأقل منه في الكثرة والاستعمال.

والثّالث: تأليف الحروف المتجاورة، وهو قليل في كلامهم أو منبوذ في الاستعمال كما تقدّم.

وهذا القليل الّذي قد يقع في كلامهم هو الّذي يكون عرضة للإماتة لثقله، نحو العَهْق، فإن فعله ممات، كما يقول ابن دريد [٤] ، لمجاورة الهاء العين، ومثله إماتة الفعل ((عهم)) لتجاور حرفي الحلق [٥] ، وقد ندر مجيء الرّاء بعد النّون ولاسيّما إن كانت النّون ساكنة والرّاء متحرّكة، وهذا قليل جدّاً في العربيّة.

وقد جاء في اللّسان [٦] : " النّرز: فعل ممات، وهو الاستخفاء، من فزع، وبه سمّي الرجل: نَرْزة ونارزة، ولم يجىء في كلام العرب نون بعدها راء إلا هذا، وليس بصحيح".

وعلّة الإماتة واضحة؛ لأن اللّسان يميل إلى الأسهل في النّطق في العادة؛ ولأنّ الحروف المتباعدة تجري من السّمع مَجرى الألوان من البصر، ولا شكّ في أنّ الألوان المتباينة إذا اجتمعت بان حسنُها لعين النّاظر، بخلاف الألوان المتقاربة؛ ولهذا كان البياض مع السّواد أحسن منه مع الصّفرة [٧] ، واللّغة تميل في أصل من أصول تطوّرها إلى مبدأ الاختيار والاصطفاء، فيترك ما ثقل على الألسن، وينبو عن الأسماع، فيموت.

ومن القواعد الصوتية لبنية الكلمة العربية أن الخماسي لا يخلو من حرف أو أكثر من حروف الذلاقة الستة: الراء واللام والنون والباء والفاء والميم، المجموعة في قولك: ((مربنفل)) .

وكذلك الرباعي غير المضاعف إلا في النادر، وعلة ذلك أن هذه الأحرف خفيفة في اللسان فناسب أن تأتي في الخماسي والرباعي لتعطيهما شيئاً من الخفة.

أما الثلاثي فهو خفيف بعدد حروفه، فلا يجب أن يكون فيه حرف من حروف الذلاقة.