شيء مؤسف ـ أيها الأخ الكريم ـ أن يطوف بي طائف من هذه الظنون، وأن أفصح عنه في أول رسالة أبعث بها إليك، ولكني خشيت أن يتصيدك الشيطان فيمن تصيد، وأن يوقع بيننا العداوة والبغضاء؛ فقد علمتني تجارب أبنائي ما لا تعلمه أنت، فكم من صديقين حميمين، أو أخوين شقيقين، غنى أحدهما ولم يغن الآخر، أو طار أحدهما في الآفاق، وبقي الآخر فوق ثراى، فأغرى بينهما الشيطان؛ فإذا هما عدوان لدودان.
لهذا أحببت أن أصارحك بدأة ذي بدء، إبقاء على ما بيننا من ود، وصلة أرحام بيننا ونسب.
الحق - أيها الأخ الكريم - أن حالتي في كثير من أمرها ليست بالحالة التي تبعث على الحسد، أو تثير الغيرة في نفس أخ كريم مثلك، فمذ هبط آدم على ظهري، وأنا أعاني من أبنائه شرا مستطيرا، وأسأل الله مخلصا أن يعجل بيوم القيامة، لأتخلص من هؤلاء على ظهري، ومن أولئك الذين هم في بطني، فيلقى كل منهم ما يستحق من نعيم الجنة، أو عذاب السعير.
لست ممن يجحدون نعم الله عليهم، أو يستخفون بها، ولا يشكرون حق على أن أعترف أن في بني آدم رجالا ونساء هم مناط عزتي وفخاري، إذا ما تنافست الكواكب، وتاه بعضها على بعض، إنهم لجديرون حقا أن تغبطني فيهم، وأن تتمنى على الله أن لو كنت حملت على ظهرك أناسا أمثالهم.
لست الآن بسبيل أن أعدهم لك، أو أقص أخبارهم عليك، ولكن رجلا على رأسهم لن أنساه ما حييت، ولا يستطيع قلمي أن يمسك عن الكتابة دون أن يذكر اسمه، ذلك هو محمد، وما أظنك إلا قد سمعت هذا الاسم، وما أظنك إلا قد عرفت خبره، فذكره قد طار في كل سماء، وحط في كل كوكب.
لا تتسع هذه الرسالة لأن أذكر غيره من المرسلين والنبيين، ومن علماء الدنيا والدين، ومن الشهداء الأبرار، وأبطال الحروب الأخيار، ومن المصلحين الذين أخلصوا في العمل، والأدباء الذين صدقوا في القول.