للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن نقد الدينار إلا على الصي

واستخدم المؤلفون هذا التعبير، وأول من استعمله (قدامة [٣] بن جعفر) وذلك حين أطلق على كتابه (نقد الشعر) ثم مضى الناس على إثره، فوجدنا كتاب (نقد النثر) فالأرجح أنه لغيره وليس له، ووجدنا (ابن رشيق [٤] ) يعنون كتابه ب (العمدة في صناعة الشعر ونقده) .

ملامح النقد الجاهلي:

والناقد الأدبي يعنى النظر الدائب الفاحص في النتاج الأدبي، للكشف عما فيه من جوانب الجمال، أو مواضع القبح، ولذا كان أول شيء مارسه العرب القدامى من شئون النقد الأدبي، هو نظر الشعراء منهم إلى نتاجهم، فكان أغلبهم يتناول شعره بالنظر والتأمل، فلا يزيده النظر والتأمل إلا احتفاءً به وحباً له، ورغبة في تثقيفه، ومحاولة دائبة لصقله، حتى يصل به إلى درجة يشعر معها أنه راض كل الرضا.

وقد اشتهر من هؤلاء الشعراء الذين عنوا بأشعارهم، ووقفوا بأبواب قوافيه، بل باتوا بها- كما كانوا يقولون- اشتهر من هؤلاء زهير [٥] بن أبى سلمى، وكعب [٦] بن زهير، والحطيئة [٧] .. فكان الواحد منهم يمضى عاماً كاملاً ينقح قصيدة واحدة، حتى يصل بها إلى درجة يظن معها أن قصيدته نالت رضاه واستحسانه، وقد سميت هذه القصائد – لذلك- بالحوليات والمنقحات والمحككات.

فها هو ذا كعب بن زهير، يذكر الشعر وحاجته إلى التقويم والتثقيف، ويذكر فضله وفضل الحطيئة في هذا الشأن فيقول:

إذا ما ثوى كعب وفوز جرول [٨]

فمن للقوافي شانها من يحوكها

فيقصر عنيا كل ما يتمثل [٩]

يقومها حتى تلين متونها

والحطيئة يذكر صعوبة المرتقى إلى جيد الشعر، وحاجة الشاعر إزاءه إلى الجهد والخبرة؛ إذ يقول: [١٠]

إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

الشعر صعب وطويل سلمه

يريد أن يعربه فيعجمه [١١]

زلت به إلى الحضيض قدمه

وهو الذي يقول: "خير الشعر الحولي المنقح المحكك " [١٢] .