للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الإسلام ينشد لمعتنقه الكمال والمثل العليا دائماً، لكنه يطلب بأسبابه ويسعى إليه من بابه، ولا يكلف الناس شططاً، ولذلك كان من الصعب فصل المثالية عن الواقعية في الإسلام، وإنما هما شرعة للبشر متكاملة تنير لهم سبل الخير وترسم له قواعد السلوك وقوانين المعاملات.

كذلك لا نعني بالواقعية الرضا بالواقع أياً كان وضعه أو صورته، أو أن الإسلام يطوع مبادئه لتوافق الحياة على أي لون، أو لتساير الواقع على أي شكل كلا.. فالإسلام لم يجيء ليربت على شهوات الناس وأنظمتهم. أو ليرضى بأوضاعهم المختلة، وتقاليدهم المعوجة، وإنما جاء ليلغي كل أشكال الجاهلية ونظمها، ولينشئ من ذات نفسه نظاماً خاصاً به، كونه يتشابه في جزئيات مع واقع الناس أو لا تتشابه، هذا أمر عارض، والمهم هو في الأصل الذي يشرع ويقنن ويحلل ويحرم، أما سائر الأنظمة الأخرى فهي تقوم على أساس أن البشر هم الذين يشرعون لأنفسهم بمعزل عن شرع الله ووحيه، وتوجيهه وأمره، فهما منهجان متناقضان.

كذلك لا نعني بالواقعية الإعتماد على الواقع الذي تدركه الحواس فقط، ونبذ كل ما لا تؤيده التجربة.

لا نعني بالواقعية هذا ولا ذاك.. وإنما نعني بها مراعاة ظروف الإنسان وفطرته وحدود طاقته، وطبيعة تكوينه، وواقع حياته، وذلك من حيث:

-

أنه مخلوق من مادة وروح وللروح أشواقها، وللمادة مطالبها.

-

ومن حيث أنه يعيش على الأرض، ويأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويتناسل، ويحب ويكره، ويصح ويمرض.

-

ومن حيث أنه ذكر وأنثى تختلف حاجات وميول كل منها وطبيعته الفسيولوجية.

-

ومن حيث أنه فرد مستقل في نفسه، أو فرد مشترك مع غيره.

كل هذه الأمور - وكثير غيرها - راعاها الإسلام وكيف أحكامه الفرعية تبعاً لها حتى تنطلق مسيرة الحياة في توازن مستقر، ولا تتعطل أو تتهدد مصالح العباد..