وفي ضوء ذلك التعريف لكل من المثالية والواقعية، جعل الإسلام حداً أدنى أو مستوى أدنى من الكمال لا يجوز الهبوط عنه، لأن هذا المستوى ضروري لتكوين شخصية المسلم على نحو معقول، ولأنه أقل ما يمكن قبوله من المسلم ليكون في عداد المسلمين، وقد شرع هذا المستوى على نحو يستطيع بلوغه وأداؤه أقل الناس استعداداً لفعل الخير وابتعاداً عن الشر، وهذا المستوى يتكون من الفرائض الواجبة، والمحرمات المنهي عنها [١] ، وهذا الفرائض والمحرمات جعلت بحيث يستطيع كل واحد الوفاء بمقتضاها، وعند الضرورات تراعيها الشريعة وتقدرها قدرها..
وبجانب هذا المستوى الإلزامي الواجب بلوغه على كل مسلم وضعت الشريعة مستوى آخر أرفع منه وأوسع، ورغبت فيه الناس وحببت إليهم بلوغه.
وهذا المستوى العالي يشمل المندوبات وأنواع القربات التي ترغب الشريعة في القيام بها، ويشمل كذلك المكروهات والمشتبهات التي ينبغي تنزه المسلم وابتعاده عنها [٢] ، لكن الوصول إلى ذلك المثل أو المستوى الأعلى يحتاج إلى جهد ضخم لا يتيسر لكل الناس، بل هو رهين بمواهب خاصة، واستعداد خاص يتميز به القلة النادرة من الناس.
لذلك لا يفرض الإسلام هذا المثل الأعلى على الجميع فرضاً، لا يلزمهم جميعاً به، بل يرسمه أمامهم، ثم يتركهم لطاقاتهم، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[٣] ، ويتقبل من كل ما يتقدم به على قدر جهده {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}[٤] .
إنه يحبب إليهم الصعود والإرتفاع، ولكنه يدعهم يتطوعون بذلك، ثم يثيبهم بقدر ما تطوعوا جزاءً في الآخرة، فلا يظلم ربك أحداً، ولا يقسره على ما لا يقدر عليه.. ونضرب على هذا التقعيد لكل من المستويين الأعلى والأدنى بعض الأمثلة: