مضى القرآن يدعو الناس في كل زمن ويتلى عليهم في كل مكان ويحمله موجات الأثير إلى كل بيت، ومن قبل كان ينتقل مع حركة الحياة إلى كل مكان هاديا في تجارة تعبر البحار ومع قافلة تنقل الزاد والمتاع وكانت هذه الحركة في نشاطها أسبق وأقوى من وسائل عصرها هاكم ساحة الأمن أمام أعيننا.. سلوا التاريخ وسلوا أنفسكم كيف امتد القرآن في هذه الساحة الواسعة بوسائل العصر الذي نزل فيه وكيف استطاع أن يقوم الألسن مع اختلافها ويجعلها تنطق به كما نزل من عند الله. أليس من عجائب القرآن أن ترى على الفطرة رجلا يجلس في ظل شجرة تنبت بعيدا عن موطن الوحي يكتب من آيات الله ما يكتب ثم يردد بلسان عربي مبين {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ}(الزخرف ٤٣) ولو جلست تخاطبه باللسان العربي في غير القرآن لاضطربت الألفاظ وذهبت الكلمات وجاءت الإشارات.