من أجل ذلك وضع الشارع عن طريق الوحي السماوي أسس ومبادئ وحدود الاجتهاد العقلي المستند على النصوص وروح الشريعة ليستنبط علماء الأمة أحكاماً شرعية للأحوال المستجدة في الأزمان المختلفة، تلك الأحوال التي لم ينص عليها رحمة بالناس ولطفاً.
وبتقريرنا أن القرآن والسنة قد وضعا أسس الاجتهاد العقلي وحدوده فإنه يصبح لا مجال لاستحداث أصول جديدة للفقه كما يتوهم البعض- فأصول الفقه كلها قد وضعت منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعن طريق الوحي- أما الاختلاف الذي وقع بين الأصوليين حول بعض وجوه الاجتهاد العقلي فقد وقع حول مدى احترام هذا الاجتهاد بعد تطبيقه على أفراد الحوادث، ومدى الإلتزام به بالنظر للجهة التي طبقت هذا المبدأ. وأيضا وقع ذلك الخلاف بين الأصوليين حول تسميات بعض وجوه الاجتهاد وما تشمله تلك التسميات كذلك وقع بعض الاختلاف عندما أَراد بعض الحائدين عن الجادة أن يتجاوزوا بالاجتهاد حدوده الشرعية، فوقع مع هؤلاء حوار ونقاش.
فلا يستطيع قائل أن يقول: بأن التفكير العقلي المجرد من اعتبار القرآن والسنة يمكن أن يكون أصلاً من أصول الشريعة. ولا يستطيع أخر أن يقول: إن رأي الشعب- أي عامة الناس ممن يجهلون الشريعة- يمكن أن يعتبر أصلاً من أصول الشريعة. اللهم إلا إذا كانت شريعة أرضية وضعية وليست شريعة سماوية، فلا ينبغي أن يؤخذ بقول الذين يدركون أطرافاً من الشريعة ثم يجهرون بأقوال دون الشريعة وأصولها هي في واقع الأمر أقوال تخرج عن دوافع المسلم الحادب على نقاء شريعة الإسلام من غير خلط لها بأخلاط القصور عن فهمها وفهم أسسها وقواعدها، أو خلط لها بأخلاط التقُّرب من الملل الأخرى التي تهدف لتذويب الإسلام وشريعته بين تضارب القوانين الوضعية.
دليل إرساء أسس الاجتهاد العقلي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: