واجهنا معجزة القرآن في عرضه لأمور كثيرة تكون بين الغرض الواحد التفاتة عقلية وروحية هادية وتنقلاً يجم الخواطر، وينعش البصائر فتستقبل الكلام في السياق الأول أقدر ما تكون تفهماً واستيعاباً {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً}[٤] .
والمفسرون يرون في قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا..} الآية [٥]
أن اليهود هم المرادون بقوله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً} .
قال الحسن وقتادة:"لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه, وضرب للمشركين به المثل, ضحكت اليهود، قالوا: "ما يشبه هذا كلام الله فنزلت الآية".
والآيات - بعد - وإن ذكر الله فيها صفات "الفاسقين"الخارجين عن طاعة الله تعالى كفراً أو عصياناً قلا يمتنع أن تكون في يهود [٦] فهم - لا ريب - ناقضوا العهود، وما أقطعهم لمن كان ينبغي أن يصلوه وقد عرفوه كما عرفوا أبناءهم، مما تحدثت به كتبهم وأنبياؤهم، وتأمل مثل قوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُم}[٧] ، {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِه}[٨] . حلقات في سلسلة تأخذ من القوم بالنواصي والأقدام..
وكم هي لمحة ذكية أن يقول الإمام القرطبي في قوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ..}[٩] .
" فإن قيل: كيف يجوز أن يكون هذا الخطاب لأهل الكتاب وهم لم يكفروا به؟!
"فالجواب ما سبق من أنهم لما لم يثبتوا أمر محمد عليه الصلاة والسلام ولم يصدقوه فيما جاء به فقد أشركوا؛ لأنهم لم يقروا بأن القرآن من عند الله, ومن زعم بأن القرآن كلام البشر فقد أشرك، وصار ناقضاً للعهد.."[١٠] .