وتتصل الآيات في بيان مقاصد عليا وغايات رفيعة، ثم ترانا من الآية ٤٠ حتى نهاية كلام الله تعالى عن تحويل القبلة أمام صور إحسان الله إلى بني إسرائيل، وأنعمه عليهم إلى مدى لم يكن من قبل لغيرهم، وإن لم يثن منهم إلى الله عنانا، ورحم الله ابن قيم الجوزية فقد قال:"فالأمة الغضبية هم اليهود، أهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل، قتلة الأنبياء وأكلة السحت - وهو الربا والرشا -، أخبث الأمم طوية، وأردأهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، ودينهم العداوة والشحناء، بيت السحر والكذب والحيل، لا يرون من لمن خالفهم - في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء - حرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصَفة، بل أخبثهم أعقلهم، وأحذقهم أغشهم، وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم – ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدوراً، وأظلمهم بيوتاً، وأنتنهم أفنية، وأوحشهم سجية، تحيتهم لعنة، ولقاؤهم طيرة، وشعارهم الغضب، ووثارهم المقت"[١١] .
إن ابن القيم رحمه الله يقدم بهذه العجالة دراسة فاحصة مستوعبة عن يهود، مبدؤها ومستمدها كتاب الله، ابتداءً من قوله تعالى:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} من سورة الفاتحة، فقد سماهم النبي صلوات الله عليه، وما لعاقل مَعْدِل عما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم، كما أخرجه الإمام أحمد وغيره بإسناد حسن، وقال الإمام القرطبي: "ويشهد لهذا التفسير قوله سبحانه في اليهود: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ}[١٢] , وقال:{وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ}[١٣] ا. هـ وقال:{مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير}[١٤] .