إنّ القوم محجوبون بقبائحهم عن رضوان الله، فكم حرفوا كلامه، وعصوا رسله وقتلوا أنبياءه والذين يأمرون بالقسط من الناس، وكانوا من خلال كل جريمة خلقية, وكأنما قدت قلوبهم من الحجر، وإن تراءوا في صور البشر, فلا عجب أن يضرب الله فيهم الأمثال في غير مجال وما يزال قيد الخاطر قول الله في المنافقين:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ... } وما وراءه فهي ليهود أشبه، وهم في قصة البقرة التي أمرهم موسى أن يذبحوها فجادلوا أول الأمر فيها حتى ذبحوها، وما كادوا يفعلون حتى انجلى حكم الله وحكمته.. على طبيعتهم في التعنت وسوء الأدب واللجاج مع نبيهم، ألا تراهم يقولون غير مرة لموسى عليه السلام:{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} وهو تعالى، ربه وربهم ورب كل شيء، بعد أن جهلوا أمر نبيهم عن ربهم "لو أن يذبحوا بقرة"ونسبوا إليه الاستهزاء بهم؟! إنها طبيعة القوم مذ كانوا إلى اليوم وما بقي منهم واحد, وشديد عادة منتزعة. وليس عجباً أن ينتهي ذلك السياق بقوله تعالى فيهم:
ومهما تعددت أقوال المفسرين في الذين قست قلوبهم ههنا, فإن قوم موسى هم المرادون أولاً وأخيرا وعلى كل حال، فما كان أهل القتيل إلا نفراً من بني إسرائيل، قال ابن عباس:"المراد: قلوب ورثة القتيل لأنهم حين حَيِيَ وأخبر بقاتله وعاد إلى موته أنكروا قتله، وقالوا: كذب بعد ما رأوا هذه الآية العظمى.. أن يضرب القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها فيتكلم.. لم يكونوا قط أعمى قلوباً ولا أشد تكذيباً لنبيهم منهم عند ذلك. ."[١٦]