وكان القاضي عبد الوهاب بن نصر الفقيه المالكي رضي الله عنه، وفيه يقول أبو العلاء المعري حين مر بهم متوجهاً إلى مصر:
والمالكيُّ ابن نصرٍ زار في سفر ... بلادنا فحمدنا النأيَ والسّفرا
إذا تكلّم أحيا مالكاً جدَلاً ... ويُنشرُ الملك الضليل إن شعرا
فمن قوله يتغزل ويوري بالمسائل الفقهية:
ونائمة قبّلتها فتنبهت ... فقالت: تعالوا فاطلبوا اللص بالحد
فقلت لها: إني لثمتك غاصباً ... وما حكموا في غاصب بسوى الرد
خديها وكفي لي عن إثم ظلامتي ... وإن أنت لم ترضي فألف من العد
فقالت: قصاص يشهد العقل أنه ... على كبد الجاني ألذ من الشهد
فباتت يميني وهي هسيان خصها ... وباتت يساري وهي واسطة العقد
وقالت: ألم أخبر بأنك زاهد ... فقلت لها: ما زلت أزهد في الزهد
وينسب إليه قوله:
تملكت يا مهجتي مهجتي ... وأسهرت يا ناظري ناظري
وما كان ذا أملي يا ملول ... ولا خطر الهجر في خاطري
فجد بالوصال فدتك النفوس ... فلست على الهجر بالقادر
أيا غائباً حاضراً في الفؤاد ... سلام على الغائب الحاضر
" وله أيضاً رحمه الله:
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي ... ولم يعلموا جاراً هناك ينغص
فقلت لهم: كفوا الملام فإنما ... بجيرانها تغلو الديار وترخص "
ولفقهاء العدوة من ذلك ما يطلع بدراً لائحاً، ويسطع زهراً فائحاً، وتتهاداه الحور، وتتحلى منه النحور، وتتبع ذلك يطيل، ونلم من ذلك بالقليل، إذ لا بد لهذا الكتاب، أن يأخذ من كل لباب، فمن ذلك قول الفقيه القاضي أبي الوليد الباجي رحمه الله في معنى الزهد:
إذا كنت أعلم علماً يقيناً ... بأن جميع حياتي كساعة
فلمْ لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة
ومن ذلك قول محمد بن سماك صاحب الأحكام يصف الروض:
الروض مخضر الربى متجمّل ... للناظرين بأجمل الألوان
فكأنما بسطت هناك سوارها ... خود زهت بقلائد العقيان
وكأنما فتحت هناك نوافج ... من مسكة عجنت بصرف البان
والطير يسجع في الغصون كأنه ... نقر القيان جثت على العيدان
والماء مطّرد يسيل عبابه ... كسلاسل من فضة وجمان
بهجات حسن أكملت فكأنما ... حسن اليقين وبهجة الإيمان
وللفقيه أبي محمد عبد الله بن السيد البطليوسي في الزهد:
أمرت إلهي بالمكارم كلها ... ولم ترضها إلاّ وأنت لها أهل
فقلت: اصفحوا عمن أساء إليكم ... وعوذوا بحلم منكم إن بدا جهل
فهل لجهول خاف صعب ذنوبه ... لديك أمان منك أو جانب سهل
وله يصف فرساً:
وأدهم من آل الوجيه ولاحقٍ ... له ليل لون والصباح حُجُول
تحير ماء الحسن فوق أديمه ... فلولا التهاب الحضر ظل يسيل
كأن هلال الفطر لاح بوجهه ... فأعيينا شوقاً إليه تميل
كأن الرياح العاصفات تُقِلّه ... إذا ابتل منه محزم وقليل
وللحافظ أبي بكر بن عطية رحمه الله يحذر من خلط الزمان:
كن بذئب صائد مستوحشاً ... فإن أبصرت إنسانا ففر
إنما الإنسان بحر ماله ... ساحل فأحذره إياك الغَرَر
واجعل الناس كشخص واحد ... ثم كن من ذلك الشخص حذر
وله يعاتب بعض إخوانه:
وكنت أظن جبالَ رَضوى ... تزول وأن ودّك لا يزول
ولكن الأمور لها اضطراب ... وأحوال ابن آدم تستحيل
فإن يك بيننا وصل جميل ... وإلاّ فليكن هجر جميل
ولابنه الحافظ عبد الحق رحمه الله يصف الزمان وأهله:
داء الزمان وأهله ... داء يعز له العلاج
أطلعت في ظلماته ... ودّا كما سطع السراج
لصحابة أعيا ثِقَا ... في من قناتهم اعوجاج
أخلاقهم ماء صفا ... مرأى ومطعمهُ أُجاج
كالدر ما لم تختبر ... فإذا اختبرت فهم زجاج
وللفقيه القاضي عياض بن موسى اليحصبي رضي الله عنه من شعره:
إذا ما نشرت بساط انبساط ... فعنه فديتك فاطو المزاحا
فإن المزاح كما قد حكى ... أُولُوا العلم قبلُ عن الحلم زاحا
وله عند ارتحاله من قرطبة رحمه الله: