للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل يوم أدور في عرصة الدا ... ر أشم القتار شم الذباب

فإذا ما رأيت آثار عرس ... أو دخاناً أو دعوة الأصحاب

لم أعرج دون التقحم لا أن هب شتماً ولكزة البواب

مستهيناً بمن دخلت عليه ... غير مستأذن ولا هيّاب

فتراني ألف بالرغم منهم ... كلّ ما قدّموهُ لف العقاب

ذاك أهنا من التكلف والغر ... م وشتم البقال والقصاب

وعن آدم الطويل قال: دخل حانوتي غريب يأكل شيئاً من طعام أتى به، فرآه طفيلي فجاء ليدخل فرددته وقلت له: ما أكثر ما تتردد إلينا، فقال الغريب الذي في الحانوت: لعله كما قال الشاعر:

لو طبخت قدر بمطمورة ... أو في ذرى قصر بأعلى الثغور

وكنت بالصين لوافيتها ... يا عالم الغيب بما في الصدور "

لله الأمر من قبل ومن بعد

[طفيل بن دلال الهلالي رأس الطفيليين]

واعلم أن الطفيلي، وهو من يغشى الناس ابتغاء الأكل من غير استدعاء ولا سؤال، منسوب إلى طفيل بن دلال الهلالي، وكان بالكوفة، فكان إذا سمع بطعام أتاه من غير أن يدعى إليه، فما فاته عرس قط، فقيل له: طفيل الأعراس، فكان كل من فعل فعله ينسب إليه فيقال: طفيلي.

ويقال: إنه لما حضرته الوفاة دعا ابنه عبد الحميد ليعهد إليه بهذه الحرفة فقال له: يا بني إذا دخلت عرساً فلا تلتفت التفات المريب، وتخير المجلس، فإن كان العرس كثير الزحام فمُرْ وانْه، وامض لشأنك، ولا تنظر في وجوه الناس ليظن أهل الرجل أنك من أهل المرأة ويظن أهل المرأة أنك من أهل الرجل، فإن كان البواب فظاً وقاحاً فابدأ به ومره وانهه من غير عنف ثم أنشد يقول:

لا تجزعن من القري ... ب ولا من الرجل البعيد

وادخل كأنّك طابخ ... بيديك مغرفة الثريد

متدلياً فوق الطعا ... م تدلّي البازي الصيود

لتلف ما فوق الموا ... ئد كلها لفّ الفهود

واطرح حياءك إنما ... وجه المطفل من حديد

وعليك بالفالوذجا ... ت فإنها بيت القصيد

حتى إذا أحرزتها ... ودعونهم هل من مزيد؟

والعرس لا يخلو من ال ... لوزينج الرطب العتيد

فإذا أتيت به حوي ... ت محاسن الجامّ الجديد

ثم أغمي عليه عند ذكر اللوزينج فأفاق بعد ساعة فقال:

وتنقلَنَّ على الموا ... ئد مثل شيطان مَرِيد

فإذا انتقلت عبثت بال ... كعك المجفف والقديد

واعلم بأنك إن قبل ... ت نعمت يا عبد الحميد

وقال بنان الطفيل: دخلت البصرة فإذا فيها عريف للطفيليين يكسوهم ويرشدهم إلى الأعمال، ويقاسمهم، فجئته فكساني وصرفني معهم فأزللت شيئاً كثيراً، والزلة عندهم ما يفضل في الولائم، فأخذ النصف وأعطاني النصف، ثم حضرت عرساً جليلاً فأخذت زلة فلقيني رجل فاشتراها مني بدينار وكتمته، فلما جئت دعا العريف جماعة منهم فقال لهم: إن هذا البغدادي قد خان، وظن أني لا أعلم ما فعل، فاصفعوه وعرفوه قال: فصفعني الأول منهم وشم يدي فقال: أكل مضيرة، وصفعني الثاني وشم يدي فقال: أكل بقيلة، وهكذا حتى ذكروا كل ما أكلت ثم صفعني آخر فقال: هاهو ذا، فدفعته إليهم، وجردني من الثياب التي أعطاني وقال: اخرج، يا خائن، في غير حفظ الله، فخرجت متوجهاً إلى بغداد، وأقسمت أن لا أقيم ببلد طفَيْليَّتُهُ يعلمون الغيب.

وبنان هذا هو الذي قيل له: ما تحفظ من القرآن فقال: كنت حفظته ثم نسيته إلاّ آية واحدة، قيل: وما هي؟ قال:) وَإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ (إلى قوله:) آتِنَا غَدَاءَنَا (فقيل له: وهل تحفظ من الشعر شيئاً؟ فقال: بيتاً واحداً وهو:

تزوركم لا نكافيكم بجفوتكم ... إن الكريم إذا لم يستزر زارا

وقال الشاعر:

الماء في دار عثمان له ثمن ... والخبز أيضاً له شأن من الشان

عثمان يعلم أن الحمد ذو ثمن ... لكنه يشتهي حمداً بمَجّان

والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً ... ما لم يروا عنده آثار إحسان

وقال آخر:

على الماء في داره زحمة ... وفيها على الخبز سفك الدما

أضاف أناساً إلى داره ... فنزههم في نجوم السّما

وبالجوع قطع أمعاءهم ... ) وإن يستغيثوا يغاثوا بما (

وقال غيره:

يا داخلاً في داره خارجاً ... من غير ما معنى ولا فائده

<<  <   >  >>