للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دعي لومي ومعتبي أماما ... فإني لم أعود أن ألاما

وكيف ملامتي إذْ شاب رأسي ... على خلق نشأت به غلاما

وقال محمود للوراق في الخضاض:

يا خاضب الشيب الذي ... في كل ثالثة يعود

وله بديهةُ لوعةٍ ... مكروها أبداً عتيد

فدع المشيب كما أرا ... د فلن يعود كما تريد

وقال أيضاً في ذلك:

يا خاضب الشيبة نح فقدها ... فإنما تدرجها في كفن

أما تراها منذ عاينتها ... تزيد في الرأس بنقص البدن

وحكى أن أبا الأسود الدؤلي دخل على عبيد الله بن زياد فقال له عبيد الله يهزأ به: يا أبا الأسود، إنك لجميل، فلو تعقلت تميمة؟؟ فقال أبو الأسود:

أفنى الشباب الذي أفنيت جدته ... كَر الجديدين من آت ومنطلق

لم يتركا لي في طول اختلافهما ... شيئا أخاف عليه لذْعة الحدق "

ونحوه قول محمد بن حازم:

لا تكذبن فما الدنيا بأجمعها ... من الشباب بيوم واحد بدل

وقول منصور النمري:

ما كنت أوفى شبابي حق عزته ... حتى مضى فإذا الدنيا لهُ تبع

" وقال ابن الخطيب:

لما علاني الشيب قال صواحبي ... لا تبتغي خلاًّ بثوب أشهب

فصبغته خوف الصدود فقلن لي: ... هذا رواية أصبغ عن أشهب

وقال غيره:

نظرت إليّ بطرف من لم يعدل ... لما تمكن طرفها من مقتلي

لما رأت شيباً ألمَّ بمفرقي ... صدت صدود بجانب متحمِّل

فجعلت أطلب وصلها بتملق ... والشيب يغمزُها بأن لا تفعلي

وقال غيره:

أناخ الشيب ضيفاً لم أُرِدُه ... ولكن لا أطيق له مَرَدّا

رداء للرّدى فيهِ الدليل ... تردى من به يوماً تردى

وقال غيره:

حلّ المشيب بعارضي ومفارقي ... بئس القرين أراهُ غير مفارقي

رحل الشباب فقلت: قف لي ساعة ... حتى أودع قال: إنك لاحقي

ويحكى أن أبا دلف دخل على المأمون وعنده جارية فغمزها عليه فقالت له: شِبْتُ يا أبا دُلف، فأعرض عنها، فقال له المأمون: ألا تجيبها؟ فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال:

تهزأت إذا رأت شيبي فقلت لها: ... لا تهزئي من يطلْ عمرٌ به يشب

شيب الرجال لهم زين ومكرمة ... وشيبكنّ لكُنّ العارُ فاكتئبي

فينا لكُنّ وإن شَيْبٌ بدا أرَبٌ ... وليس فيكن بعد الشيب من أرب

غيره:

لا تخطون إلى خِطءٍ ولا خطَأ ... من بعد ما الشيب في فوديك قد وخطأ

فأي عذر لمن شابت مفارقُه ... إذا جرى في ميادين الهوى وخطا

وقيل: ظهور الشيب في الناصية كرم، وفي القفا لؤم، وفي الهامة وقار، وفي الفودين شرف، وفي الصدغين شح، وفي الشاربين فحش ".

وهذا الباب لا يأتي عليه الحصر، فلنقتصر على هذا القدر.

واعلم أنه لا يزال علماء الأدب من لدن أدبرت العرب يختلفون في مقالة العرب بحسب اختيار الأجود منه والأصدق والأفخر أو نحو ذلك فنورد جملة مما وقع لهم في ذلك إمتاعاً والله الموفق.

لله الأمر من قبل ومن بعد

[أشعر بيت قالته العرب]

حدثوا في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: " أشعر بيت قالته العرب قول دريد ابن الصمة:

قليل التشكي للمصيبات ذاكر ... من اليوم أعقاب الأحاديث في غد

وقيل: قول أبي ذؤيب:

والنّفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع

وقيل: قول زهير:

فلما وردن المساء زُرْقاً جمامُه ... وضعن عصيَّ الحاضر المتخيعم

وقيل: قول الآخر:

صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد

وقيل: قول لبيد:

وأكذب النفس إذا حدثتها ... إن صدق النفس يزري بالأمل

وقيل: قول امرؤ القيس:

ألا يا لهفَ هندٍ إثْرَ قومٍ ... همُ كانوا الشفاء فلم يصابوا

وقاهُمْ جَدُّهُم ببني أبيهِم ... وبالأشقّين ما كان العقاب

وأفْلتهنَّ عِلْباءٌ جريضاً ... ولوْ أدركنه صَفِرَ الوِطاب

وقيل: بل قوله:

اللهُ أنجَحُ ما طلبْتَ به ... والبِرّ خيرُ حقيبةِ الرَّحْلِ

وقوله أيضاً:

وإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلَّب

لله الأمر من قبل ومن بعد

<<  <   >  >>